بدأ علم الأنساب بالمغرب كروايات شفوية يتم نقلها عن أنساب الأسر الشريفة بالخصوص منذ عصر الأدارسة،
الرباط – المهدي ديوان
يُعد علم الأنساب من العلوم العريقة التي اهتمت بها الشعوب وخاصة بالعالم الإسلامي وضمنه المغرب، حيث برز علماء نسابة أنتجوا مصنفات هامة عكست الاهتمام الذي كان يوليه الأجداد لتوثيق أصولهم
وبالمغرب، البلد الضاربة جذوره الحضارية في أعماق التاريخ، تجلى الاهتمام بالأنساب عبر عدة مظاهر منها غزارة الإنتاج الفكري في هذا المجال، حيث أنتجت مصادر هامة من قبيل كتاب “المقتبس من كتاب الأنساب في معرفة الأصحاب” لأبي بكر بن علي الصنهاجي، الذي عاش في القرن السادس الهجري، و”كتاب الأنساب” لأبي صالح المصمودي، وغيرها من الكتب الأخرى
كما أن عددا من الأسر المغربية مازالت تحتفظ بوثائق ومخطوطات متعلقة بأنسابها تناقلتها أبا عن جد، وخاصة بالمدن المغربية العريقة، كتطوان، ووزان، وشفشاون ومكناس، وفاس، وسلا، ومراكش، والسمارة، ووجدة
ويُعرف المتخصصون علم الأنساب (GENEALOGIE) والذي يحتفى به بالمملكة في 02 أكتوبر من كل سنة، أنه العلم الذي يعنى بالبحث في علاقة الدم أو رابطة السلالة، أو النوع الذي يربط الإنسان بأصوله وفروعه
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أوضح أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، محمد المغراوي، أن علم الأنساب من العلوم العربية القديمة التي كانت تهتم بأنساب القبائل والأسر والأفراد، وتوثيقها والتحقق منها عن طريق تتبع الهجرات وانتقال القبائل بين المناطق المختلفة، لافتا إلى بروز نسابين مشاهير بعضهم كتب وبعضهم لم يكتب
وأضاف أن هذا العلم بدأ بالمغرب كروايات شفوية يتم نقلها عن أنساب الأسر الشريفة بالخصوص منذ عصر الأدارسة، وكان بعض هذه الروايات يوثق من طرف المؤرخين، ووجد اهتماما مماثلا لدى القبائل العربية التي دخلت المغرب على دفعات، ومنها عرب الفتح، والقبائل العربية التي دخلت المغرب منذ عصر المرابطين وبالخصوص في العصرين الموحدين والمريني، وكان لهؤلاء اهتمام خاص بمعرفة أنسابهم عن طريقة الرواية الشفوية التي تتتبع الأنساب العربية إلى ما قبل الإسلام بقرون
وأكد محمد المغراوي أن هذه الثقافة مازالت حية في أوساط القبائل العربية بالمغرب وكثير منها نقلته كتب التاريخ، مشيرا إلى أن الاهتمام بالأنساب موجود كذلك لدى الأمازيغ بالمغرب وباقي شمال إفريقيا، معربا عن أسفه لضياع الكتب التي ألفها نسابو الأمازيغ
وبخصوص الجهود العلمية المعاصرة في موضوع الأنساب، أبرز السيد المغراوي أن عددا من المؤرخين المغاربة اشتغلوا حول هذا الموضوع ومنهم المؤرخ، عبد الوهاب بنمنصور، من خلال كتاب “قبائل المغرب”، والراحل مولاي التقي العلوي، الذي حاول جمع شتات الروايات المتفرقة وإعادة بنائها من خلال سلسلة من الأبحاث التي نشرها في مجلة البحث العلمي حول أصول المغاربة، وتناول فيها أنساب وتطور القبائل الأمازيغية والعربية ثم صدرت مُجمعة في كتاب
وفي معرض رده على سؤال عن المجهودات المبذولة من أجل تحقيق وفهرسة كتب الأنساب، أكد السيد المغراوي أن الرصيد الموجود حاليا من كتب الأنساب المخطوط والمطبوع يعتبر كبيرا، مشيرا إلى أنه بالنسبة للمادة الوثائقية، فإن الأسر والخزانات العامة والخاصة تتوفر على الآلاف من ظهائر التوقير والاحترام التي كان السلاطين ينعمون بها على الأسر الشريفة في مختلف المناطق، فضلا عن شجرات الأنساب والعقود الخاصة بالأسر والتي كان يتم تحيينها من حين لآخر على أيدي العدول
ولئن كان المغاربة قد اهتموا في مراحل سابقة من تاريخهم، بعلم الأنساب وخلفوا رصيدا مهما في هذا المجال، فإن مغاربة اليوم ما زالوا يبدون اهتماما بهذا العلم، الأمر الذي يعكسه تحقيق العديد من كتب الأنساب المغربية على يد العديد من المؤرخين والباحثين.
وعلى صعيد البحث الجامعي والأكاديمي أنجزت كذلك العديد من الأطاريح العلمية حول القضايا المتعلقة بالثقافة النسبية أو ببعض مصادرها
ومن جهة أخرى جرى تأسيس مجموعة من الجمعيات التي تعنى بعلم الأنساب من قبيل، الفدرالية المغربية لعلم الأنساب وهي عضو في الكونفدرالية الدولية لعلم الأنساب، وكذا المؤسسة المغربية للدراسات والأبحاث في علم الأنساب
على أن المؤمل يبقى هو حفظ هذا الموروث العلمي والبحثي حتى تستفيد منه الأجيال الصاعدة، وإثارة اهتمامها على نحو أكبر بتاريخ أجدادها.