الرباط – ربورتاج:لاماب

مراكش-فيديو le12.ma

تختلف أشكالهم وتتمايز ألوانهم، لكن فن الشارع يوحدهم وآلاتهم الموسيقية البسيطة تجمعهم. هم في الغالب شباب تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والثلاثين سنة، اتخذوا من الشارع العام فضاء لتقديم عروضهم الموسيقية المرتجلة، والتقرب من جمهور يخصهم ببضع دقائق من وقته لينسحب إلى انشغالاته التي لا تكاد تنتهي.

ولأن تواجدهم على الساحة بدأ يبدو جليا خلال الآونة الأخيرة، لاسيما في المدن السياحية والمكتظة، كمراكش والصويرة والرباط، ونظرا للطقوس المستحدثة في عروضهم الموسيقية، والتي يتداخل فيها العطاء الفني مع الاستجداء المادي، كان من الضروري التحدث  إليهم وإلى محيطهم لتبين الدافع الحقيقي خلف عروضهم الموسيقية وظروف تقديمها ومدى تفاعل الجمهور معها.

وفي الرباط وتحديدا في شارع محمد الخامس، يحترف الشاب سياف الحصيني موسيقى الشارع منذ سنوات. فطوال الوقت، وبساحة البريد ينهمك طوال اليوم في العزف على قيثارة موصولة بمكبر صوت بسيط وأمامه قبعة بيضاء تضم دريهمات جاد عليه بها بعض المارة.  

وفي بوح لوكالة “لاماب”، قال سياف عن سبب امتهانه لموسيقى الشارع، إنه لا يمارس موسيقى الشارع بل الموسيقى في الشارع، وهي التسمية التي يراها تعبر عن شغفه بالموسيقى في فضاء الشارع. وبخصوص القبعة البيضاء التي يضعها باستمرار أمامه رد قائلا: “نحن لا نتخذ من الشارع فضاء لكسب المال وإنما للاقتراب من الجمهور لأن صوتنا يسمع عبر منبر الشارع أكثر من باقي المنابر الأخرى”.

وقال مواطن من الجمهور الذي كان يتابع العرض الموسيقي لسياف، في تصريح للوكالة، حول القبعة التي يضعها عموما موسيقيو الشارع “قليلون هم الذين يجودون على هؤلاء بدريهمات لا تسمن ولا تغني من جوع. ثم إن الموسيقى بالنسبة للعازفين مجرد موهبة يجدون فيها ضالتهم لأن البعض منهم يمارسون مهنا أخرى. وعندما يأتي أحدهم لتقديم عرضه هنا بشارع محمد الخامس مثلا، فذلك أهم لديه من المال”.

وغير بعيد عن سياف وجمهوره، وفي شارع الحسن الثاني، يتخذ أعضاء مجموعة تضم ثلاثة شبان مغاربة وشابتان أجنبيتان موقعا لهم لتقديم عروض راقصة على أنغام موسيقية منبعثة من مكبر صوت صغير موصول بهاتف ذكي وإلى جانبه قبعة سوداء بداخلها قطع نقدية. وحول هذا النوع من فن الشارع قال ع. يوسف، عضو المجموعة، ذو الستة والعشرين ربيعا، في تصريح مماثل للوكالة، إن مجموعته لا تمارس هذه العروض من أجل كسب المال بل هي طريقة لتقاسم موهبة أعضاء المجموعة مع الجمهور وإظهار إبداع يمنحهم طاقة إيجابية. وحول القبعة السوداء التي يضعونها أمامهم صرح قائلا: “لكل منا أسرته وعمله الخاص والقبعة مجرد أكسسوار لا يعني شيئا، هي فقط دعوة لتقاسم هذا الفن مع الجمهور في الشارع”.

وفي نفس الجو المفعم بالحركية والنشاط، قالت ريكاردا وهي ألمانية الجنسية، وعضو بالمجموعة “وضعنا القبعة أرضا لنتيح للناس أن يقدموا لنا بعض المال إذا رغبوا بذلك، وإلا فلا بأس لأن الرقص والموسيقى هما شغفنا في الحياة، وقد مر الكثير من الناس وأبدوا دهشتهم وإعجابهم بالعرض الراقص الذي قدمناه وهذا هو الهدف الأساسي”.

أما بالنسبة للشابة سناء التي كانت تتابع عرض المجموعة باهتمام، فقالت من جانبها في تصريح للوكالة “أظن أن هؤلاء يسعون لتحقيق الهدفين معا. فمن خلال ما لاحظته، أرى أنهم يحاولون إظهار مهاراتهم، وبدون تلك المهارات ما كانوا ليضعوا القبعة على الأرض وينتظروا أن يجود عليهم المارة بببعض المال. القبعة في نظري مجرد دعوة لتشجيعهم كي يعتنوا بمواهبهم ويصقلونها جيدا”.

وكان للشاب أسامة خزرون ذو الأربعة والعشرين عاما، والذي يمارس موسيقى الشارع بمحج الرياض في الرباط منذ ثلاث سنوات، نفس الرأي، إذ قال في تصريح مماثل “الهدف من موسيقى الشارع فني ومادي في نفس الوقت. من جهة أرغب في إدخال البهجة إلى قلوب المارة وتقاسم موهبتي معهم ..ومن جهة أخرى لأجني بعض المال، وذلك يبهجني لأنني أمارس فنا أحبه وأحصل بفضله على مقابل يعنيني على تغطية بعض احتياجاتي”.

ولفهم أسباب تنامي الإقبال على موسيقى الشارع، قال هشام باحو مؤسس ومدير مهرجان البولفار، إحدى أهم التظاهرات التي تعنى بموسيقى الشارع في المغرب، في تصريح خص به الوكالة إن “الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل هي متجذرة في ثقافتنا الشعبية من خلال ما كان يعرف بالموسيقيين الجوالين كركراكة وكناوة وغيرهم، حيث كانوا يجوبون القرى والأسواق فيعرضون فنهم على الناس ويتلقون مقابل ذلك بعض النقود تارة والإطراء تارة أخرى”.

وعن رمزية القبعة في موسيقى الشارع علق هشام قائلا: “وضع القبعة أرضا شائع في الثقافة العالمية لفنون الشارع، والأولى أن نسمي الأمر تبرعا أو مساهمة لأن موسيقيي الشارع لهم أيضا التزاماتهم المادية، ولكن هدفهم الأساسي ليس التسول بل يعتبرون مناضلين من أجل دمقرطة الثقافة”.

وبالإضافة إلى الجانب الثقافي، يرى الأستاذ الباحث في علم الاجتماع حمزة الصقلي من الرباط في حديث للوكالة أن سبب تنامي موسيقى الشارع وارتباطها بما يسمى “القبعة” يعود إلى قلة الفرص في سوق الشغل، مضيفا أن تعاطي شباب اليوم لموسيقى الشارع” قد يكون ماديا، لكن ذلك لا يمنع أن يكون فنيا في نفس الوقت”، قبل أن يختتم حديثه بالقول “حتى القامات الفكرية الكبيرة كالأدباء، إذا لم يجدوا الربح المادي قد يتخلون عن كتاباتهم لأنهم لن يستفيدوا شيئا”.

وتعليقا على ما سبق، قال الناقد الفني والخبير في الإعلام والتواصل أحمد الدافري في تصريح له، إن موسيقى الشارع “تعد من المنظور الأنثروبولوجي، طريقة موغلة في التاريخ لعرض الأنشطة الفنية والترفيهية على الناس مقابل مبلغ رمزي وغير إجباري يحافظ على هذه الأنشطة من الاندثار”.

وعما إذا كانت موسيقى الشارع توسلا للإبداع أم إبداعا في التسول قال الدافري “لم يكن الإبداع والفن يوما مطية للتسول، لأنهما نشاط يتطلب جهدا على مستوى المشاعر والعواطف. والمتسول هو الشخص الذي لا يبذل أي جهد، أما موسيقي الشارع، فمن المؤكد أنه استثمر جهدا وربما مالا لكي يصل إلى ما بلغه من الإبداع، وبالتالي من حقه أن يطلب مقابلا لما يقدمه من إبداع”.

وخلص الدافري إلى أنه “من الأفضل أن يعرض موسيقي الشارع قبعة لجمع المال على أن يتسول، لأن التسول، في رأيه، يعبر عن قلة فرص الشغل، بينما تعكس موسيقى الشارع الطاقات الإبداعية اللامحدودة للشباب المغربي وهو ما يتعين تشجيعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *