شرعت السلطات المغربية، اليوم الأربعاء في تنفيذ إجراءات ترحيل “حراكة” من الجزائر والتونس، الى الدول التي خلوا عبرها الى المملكة وصولا إلى الفنيدق، فيما عبرت الحكومة الاسبانية عن إشادتها بنجاح المغرب في صد محاولات إقتحام سبتة المحتلة.
م. الحروشي
وتفيد معطيات جريدة le12.ma، أن السلطات المغربية المختصة، نقلت الدفعة الأولى من “الحراكة” الجزائريين والتونسيين، من تطوان الى الدار البيضاء، إستعدادا لترحيلهم جوا الى تونس.
وتدرس السلطات المغربية، ترحيل “حراكة” من غير أصحاب الجنسيات الجزائرية والتونسية، الى بلدانهم الاصلية، من بينهم مرشحين للهجرة غير النظامية من دول عربية وإفريقية.
وكانت تقارير إعلامية قد أفادت في وقت سابق بتوقيف 4455 مرشحا للهجرة السرية من يوم 11 شتنبر إلى غاية 16 شتنبرـ من بينهم 3795 مغربيا بالغا و141 مغربيا قاصرا و 519 أجنبيا (بينهم 164 جزائري).
كما تم توقيف 70 شخصا محرضا على الهجرة من دول جنوب الصحراء وجزائريين سيمثلون أمام العدالة، فيما تم عزل البقية واعتراض راغبين في الهجرة بمدن أخرى.
وكان مراسل جريدة le12.ma، في الفنيدق، قد أفاد في مراسلة سابقة، أن من بين الموقوفين، “حراكة” من جنسيات مغربية أغلبيهم شباب وقاصرين، الى جانب مواطنين من الجزائر وسوريا وأفارقة من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وأكد مراسلنا، أنه فيما جرى ترحيل الموقوفين المغاربة، خارج مدينة الفنيدق، تم الاحتفاظ بـ”الحراكة” من باقي الجنسيات في أفق بحث ترحيلهم صوب دولهم الاصلية.
وواصلت القوات العمومية، التي فرضت طوقا أمنيا على مدينة الفنيدق والنواحي، خلال الساعات الماضية مطاردة «الحراكة”، في وسط المدينة أو في الغابة المجاورة لها.
فتح معبر سبتة المحتلة
وجرى وفق مراسلنا، نقلا عن مصدر مطلع، رفع الإغلاق المؤقت لمعبر سبتة المحتلة من الجانبين المغربي والإسباني المحتل، في وجه حركة التنقل القانوني بين الجانبين، بعد إجلاء المنطقة من عدد كبير من جحافل مرشحي الهجرة غير القانونية.
وقالت وزارة الداخلية الإسبانية إن لا أحد من المشاركين في محاولة الاقتحام الجماعي لسبتة تمكن من الوصول إلى المدينة، بفضل تدخل السلطات المغربية الذي وصفته بـ”المجهود الكبير”، مقدرة أعداد الذين نفذوا الهجوم بالآلاف.
وأضافت الداخلية الإسبانية وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإسبانية، أن “التعاون مع قوات الأمن المغربية مستمر”، وأن “العمل الاستثنائي الذي قامت به هذه القوات خلال الأيام الأخيرة” سمح بـ”السيطرة على الوضع”.
عسكرة حقيقة
منذ الساعات المبكرة من يوم الجمعة الماضي، عرفت مدن الشمال عموما ومدينة الفنيدق تحديدا، عسكرة حقيقة لإحباط أي محاولة إقتحام مفترضة لمدينة سبتة المحتلة.
بالمقابل يقول مراسل جريدة le12.ma، في الفنيدق، «تعرف كل الطرق المؤدية نحو الحدود الوهمية مع سبتة المحتلة، تدفقا بشريا، لعدد من الحالمون بالهجرة إلى الفردوس الأوروبي ممن صدقوا إشاعة وهم يوم 15 شتنبر».
في هذا التقرير تبحث جريدة le12.ma، في حقيقة 15 شتنبر يوم الهجرة الوهبي عبر سبتة المحتلة ..من كان وراء إطلاق الإشاعة؟، وكيف صدقها شباب مغاربة حالمون بالهجرة؟ وكيف تتابع الحكومة والسلطات تطورات الوضع في المنطقة؟ و آراء نشطاء إعلاميون وجمعويون من رواد مواقع التواصل حول الموضوع؟.
بداية القصة
قبل أيام، سينتشر بين الناس، فيديو لشاب وهو يحاول الهجرة إلى أوروبا عبر سواحل الفنيدق ووالدته تركض من وراءه وسط مياه الشاطىء، إنتشار الإشاعة في الفايسبوك.
لقد جرى تداول هذا المشهد المؤلم، في الداخل المغرب كما في الخارج، حيث كان مادة دسمة لحسابات فايسبوكية مغرضة تدار من دولة جارة في الشرق، جعلت منه فرصة للنيل من صورة المغرب وتقديمه كبلد يفر منه الشباب.
ولم تدم سوى ساعات على تداول مقطع فيديو محاولة «الحريك»، الذي يقع مثله وأكثر يوميا في سواحل الجزائر البترولية، حتى انتشر على نحو مجهول عبر موقع فيسبوك إشاعة « عزم سلطات الاحتلال في سبتة المحتلة فتح أبواب المدينة السليبة، أمام دخول المهاجرين يوم 15 شتنبر الجاري. أي يوم غد الاحد».
إشاعة، سرعان ما ورطت حسابات وصفحات مغربية في الترويج لها على نطاق واسع في موقع فيسبوك، إذ سقط أصحابها في جريمة التحريض على «الهجرة غير القانونية».
لقد تمكنت عناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة تطوان بتنسيق مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، صباح اليوم الاثنين 9 شتنبر الجاري، من توقيف شخص يبلغ من العمر 20 سنة، وذلك للاشتباه في تورطه في نشر أخبار زائفة ومحتويات تحرّض على تنظيم الهجرة غير المشروعة باستخدام الأنظمة المعلوماتية.
وكان المشتبه فيه قد ظهر في شريط فيديو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، يحرّض فيه على تنفيذ عملية جماعية للهجرة غير المشروعة بتاريخ 15 شتنبر الجاري.
وقد أسفرت الأبحاث والتحريات المنجزة على ضوء هذه الدعوات التحريضية عن تحديد هوية المشتبه فيه، وذلك قبل أن يتم توقيفه بتنسيق مع عناصر الدرك الملكي بمنطقة “دار بوعزة” بضواحي مدينة الدار البيضاء.
وقد تم إخضاع المعني بالأمر لإجراءات البحث القضائي الذي يجرى تحت إشراف النيابة العامة المختصة، للكشف عن الخلفيات الحقيقية الكامنة وراء ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية، مع الإشارة أن الأبحاث والتحريات لا تزال متواصلة لتوقيف باقي المشاركين والمساهمين في فبركة ونشر هذه المحتويات التحريضية والأخبار الزائفة.
وتدخل هذه العملية الأمنية في سياق الإجراءات المشدّدة والمجهودات المكثفة التي تبذلها مصالح المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني لمكافحة شبكات الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر، والدعوات المحرضة على ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية.
لماذا؟ يتوافد الشباب
يقول الصحفي المغربي، محمد واموسي، «بدأت الحكاية ككل إشاعة مغرية : خبر كاذب انتشر كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يزعم أن سلطات الاحتلال الإسباني في سبتة ستفتح أبوابها يوم 15 سبتمبر للراغبين في الهجرة إلى أوروبا».
وأضاف، «لم يمر وقت طويل حتى تحوّل الخبر إلى دعوات صريحة للتجمع واقتحام الحدود الوهمية لسبتة المحتلة، فبدأت تطبيقات التراسل الفوري في لعب دورها بتوجيه دعوات التحريض».
وتابع في تدوينة له، «ما هي إلا ساعات حتى بدأت مجموعات من الشبان، أغلبهم قاصرون، يشدون الرحال شمالاً نحو الفنيدق، ينتظرون “الفرصة الذهبية” التي زعموا أنها ستفتح لهم أبواب أوروبا».
وقال، «لكن السلطات المغربية كانت لهم بالمرصاد، فبالتعاون مع الأجهزة الاستخباراتية الداخلية ، انطلقت عمليات اعتقال واسعة لأكثر من 100 شخص من مروجي الدعوات التحريضية على مواقع التواصل».
ومع ذلك، يرى واموسي،«لم تكن الحملة الأمنية كافية لإيقاف موجة الشبان الذين تلقفوا الخبر، فانتشروا على الطرقات في اتجاه الشمال، بعضهم قرر السير على الأقدام وكأنهم في سباق مع الزمن».
قوافل القوات
«مواقع التواصل امتلأت بصور قاصرين في الطرق السيارة يسيرون جنباً إلى جنب مع قوافل القوات العمومية المستنفرة التي تحركت نحو الفنيدق ومرتيل لصد أي محاولة اقتحام جماعي». يقول واموسي.
وأضاف، «في الوقت نفسه، شنت السلطات الأمنية عمليات تفتيش دقيقة في محطات الحافلات والقطارات لإحباط محاولات التنقل الجماعي من مدن عدة، بينها القصر الكبير».
وتابع، «سواحل الفنيدق ومرتيل أصبحت أشبه بمنطقة عسكرية، مع تحركات أمنية مكثفة لردع أي محاولة للهجرة غير القانونية، في مقابل أفواج من القاصرين الحالمين بالفرار نحو حياة أفضل».
ويرى أن «المغاربة انقسموا حول ما يجري إلى معسكرين، بين من يرى أن الهواتف الذكية ومواقع التواصل هي المحرك الأساسي لهذه “الفوضى الرقمية”، وبين من يحمّل الدولة المسؤولية لفشلها في خلق فرص عمل لهؤلاء الشباب، الذين تحول حلمهم بالهروب إلى كابوس للجميع».
وخلص الصحفي المغربي واموسي إلى القول، «بين مطرقة الشائعات وسندان الإحباط الاقتصادي و الاجتماعي، يظل حلم الهجرة مكلفًا، ومواجهة الحقيقة أحيانًا أقسى من الخيال». وأنه «في ظل هذا المشهد ، هل المشكلة تكمن في سرعة انتشار الأخبار الكاذبة، أم في عدم توفر الفرص الاقتصادية الحقيقية للشباب ؟».
من جهته يرى الناشط الجمعوي، فؤاد أمزيان، أنه «قديما كنا نسمع أن الصحافة ووسائل الإعلام تمثل السلطة الرابعة لما لها من تأثير في صنع القرار والتأثير عليه ولما لها أيضا من وقع على تمثلات وتوجهات الجمهور والعامة».
واليوم يضيف أمزيان، «أضحت وسائل التواصل الإجتماعي والميديا الرقمية معادلة صعبة في صنع القرارات الحدث السري العلني ليوم 15/09 والذي يزعم البعض إن لم أقل جل وسائل التواصل الاجتماعي على وجود عملية مزعومة للهجرة السرية دفع الدولة والأجهزة إلى التحرك كخطوة إستباقية للحد من إنتشار هاته الظاهرة الجديدة القديمة لمطاردة الحلم الأوروبي».
والهجرة يورد أمزيان في تدوينة له « بسببها الأوضاع الإقتصادية وتفشي ظاهرة البطالة في صفوف الشباب، برامج الدولة على قلتها لمعالجة هاته الظواهر الإجتماعية لاتفي بالغرض ولاتلبي حاجيات هؤلاء الشباب ولاتثنيهم من السعي الحثيث بحثا عن ظروف عيش أفضل».
ولعل ذلك ما جعل عزيز أخنوش، رئيس الحكومة يقول الجمعة الماضي خلال مداخلة له بمناسبة افتتاح جامعة شبيبة حزبه الأحرار في أكادير :«هذه السنة ستكون عند الحكومة سنة العمل على ورش التشغيل ومحاربة ظاهرة البطالة».