تنفست فرنسا ومعها الاتحاد الأوروبي الصعداء بعد تعيين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الخميس، ميشيل بارنييه في منصب رئيس الوزراء، خلفا لغابرييل أتال.

وإذا كان هذا التعيين الذي جاء في ظروف صعبة، حيث ظلت البلاد دون حكومة كاملة لأزيد من 50 يوما نتيجة مفاوضات غير مثمرة، قد أثار غضب الائتلاف اليساري الذي يرص صفوفه لتنظيم مظاهرة احتجاجية يوم غد السبت، فقد تم استقباله بالترحيب من قبل معسكر اليمين، وحتى اليمين المتطرف.

وبالفعل، أعربت العائلة السياسية لميشيل بارنييه “الجمهوريون” عن دعمها له، وسيتعين عليها أن تقترح بعض الوزراء. أما باقي أحزاب الوسط، لاسيما حزب “آفاق”، فرغم تأكيدها أنها لن تمنح للمقيم الجديد في قصر ماتينيون شيكا على بياض، فإنها أيضا ستدعمه في سعيه إلى تشكيل حكومة موحدة.

أما حزب التجمع الوطني، وهو حزب يميني متطرف، فهو لا ينظر بنظرة قاتمة إلى تعيين آخر بارونات الفكر الديغولي على رأس السلطة التنفيذية الفرنسية.

وكان حزب جوردان بارديلا ومارين لوبان، الذي اعتاد على الشخصيات التي تتقن فن الحديث، والتي تمزج بين قوة البلاغة والجدال العنيف، هذه المرة لبقا حيث التزم بعد فرض رقابة تلقائية على الحكومة الجديدة في حالة تشكيلها.

وفي رد فعل على إعلان تعيين بارنييه، قالت لوبان إن هذا الأخير “يبدو أنه يستجيب على الأقل للمعيار الأول الذي طالبنا به، وهو أن يكون شخصا يحترم مختلف القوى السياسية“.

علاوة على ذلك، أوضح بيان الإليزيه الذي أعلن الخبر، بشكل دقيق، أن “هذا التعيين جاء بعد دورة غير مسبوقة من المشاورات، التي أكد خلالها الرئيس، بناء على واجبه الدستوري، أن رئيس الوزراء والحكومة المقبلة من شأنهم أن تجتمع فيهم الشروط حتى يكونا أكثر استقرارا ممكنا ويمنحا لنفسهما حظوظ الالتقاء على أوسع نطاق ممكن“.

ووعد ميشيل بارنييه، الذي يوجد في موقع قوة بفضل هذه الضمانات من طرف الأحزاب السياسية وثقة رئيس الجمهورية، والذي يعرف بحنكته كمفاوض كبير، عقب تسلم السلطة من سلفه، بـ “تغييرات وقطيعة” مع عدة ممارسات.

وحدد في هذا الصدد، على الفور، كأولويات لعمله إصلاح المدارس، وتحسين المرفق العمومي، والتحكم في الهجرة، والأمن، والقدرة الشرائية. وهي أوراش تتطلب، برأيه، “الكثير من الإنصات” و”احترام كافة القوى السياسية الممثلة” في البرلمان.

ولكي ينجح في مهمته، يقول محيطه إنه بحاجة إلى وزراء “أقوياء وأكفاء وناجعين” سيتعين عليه اختيارهم من صفوف حزبه أولا، ثم من الأغلبية الرئاسية السابقة، وأحزاب الوسط، وحتى من بعض معارفه باليسار الذين راكموا خبرة في مجال خدمة الدولة والجمهورية، لأنه بحسب لغة البيان الصحفي للإليزيه الذي أعلن فيه عن تعيينه، فإن الأمر يتعلق بـ “تشكيل حكومة وحدة في خدمة الوطن والفرنسيين“.

وبحسب وسائل الإعلام الفرنسية، فإن رئيس الوزراء الجديد قد بدأ بالفعل مشاوراته، وكل المؤشرات تدل على أنه سينجح في تشكيل حكومة توافق حول أولويات فرنسا، لاسيما ميزانية 2025 ومختلف القضايا السوسيو-اقتصادية العاجلة للبلاد.

وفي كل الأحوال، فإن أصدقاءه في بروكسيل، الذين يدركون براعته ورباطة جأشه وهدوءه كمفاوض كبير بعد نجاحه في إخراج الاتحاد الأوروبي من طلاقه من المملكة المتحدة بأقل الخسائر، مقتنعون بذلك.

يقول عنه رئيس المفوضية الأوروبية السابق، اللوكسمبورغي، جان كلود جانكر، “لديه ملكة إنصات تتجاوز قدرة الآخرين، ويعرف كيف يتحدث مع الآخرين لإقناعهم“.

أما الرئيسة الحالية للسلطة التنفيذية الأوروبية، أوروسلا فون دير لاين، فهي تشهد له باهتمامه بأوروبا وفرنسا “القريبتين من قلبه“.

وأكدت رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا على حسابها على موقع “إكس” أنه “في جميع المناصب التي شغلها، أظهر ميشيل بارنييه ريادته ورؤيته وأسلوبه، وأنا مقتنعة بأنه سيستفيد من خبرته ومهاراته كرئيس وزراء فرنسي جديد”.

عادل الزعري الجابري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *