الجامعات والأساتذة الباحثون، في الدول المتقدمة علميا، يعملون متعاونين متآزرين فيما بينهم، كل من موقعه، رغم الإمكانيات المادية العالية المخصصة للبحث العلمي في كل الميادين.

يتآزرون قصد ترشيد ظروف ووسائل البحث العلمي في كل الميادين؛ نعم البحث العلمي، الذي يمثل وسيلة كل وسائل تقدم المجتمعات.

ترصد لهم الدولة إمكانيات مادية عالية للبحث العلمي، وبتآزرهم وتعاونهم فيما بينهم، وفيما بين الجامعات، يعملون على تأمين موارد مالية ضخمة، أخرى، عن طريق تقديم الخدمات العلمية للقطاعات العامة والخاصة للدولة، وكذا لدول أخرى.

أين الأساتذة الباحثون عندنا والجامعات من هذا النهج القويم، نهج التآزر والتعاون وترشيد الإمكانيات المتواضعة المخصصة للبحث العلمي؟ .

الجواب، هو أننا على النقيض التام من هذه المقاربة، فبالرغم من ضحالة الإمكانيات المادية عندنا، فإن التشرذم والفردانية والانغلاق على النفس هو نهجنا ومنهجنا.

بل الأدهى أن يتآزر من هم محسوبون على الأساتذة الباحثين، فيما بينهم، لخلق المشاكل ووضع العراقيل في طريق من يريد (أو يريدون) أن يقوم بما هو مطلوب منه القيام به من واجبات البحث العلمي والتكوين والتأطير قدر المستطاع.

فحتى على صعيد نفس الشعبة، بنفس المؤسسة الجامعية، يسود التنافر والتدابر والتطاحن، كما أن من تمكن من وضع اليد على جهاز، أو أجهزة علمية (على محدوديتها)، تم شراؤها من المال العام، ليستفيد منها الجميع (وليس من خلال مشروع بحث شخصي أو تكوينات خاصة…)، فإنه يتصرف فيها وكأنها ملكيته الخاصة.

يمنعها على من يريد أو يتماطل في تمكين الآخر من استعمالها، أو استعمالها حسب شروطه.

والأدهى والأمر، أنه في كثير من الأحيان، تتم الاستفادة من هذه الأجهزة كبقرة حلوب، بحيث تمكن المستولي عليها من إمكانية استعمالها حسب الطلب.

مثلا، طلب القيام بتحاليل أو قياسات ما من طرف باحث شاب يهيئ أطروحته، قد يشترط عليه المستولي على الجهاز (أو الآلة) إضافة إسمه للائحة الباحثين عند نشر المقال العلمي.

نعم، عن طرق كهاته يتم استعمال الجهاز العلمي المسيطر عليه فيما يمكن وصفه بالريع العلمي، الذي يمكن صاحبه من الظهور كباحث علمي لا يشق له غبار.

من هنا يتبين بجلاء أن نهج التعاون والتآزر بين المؤسسات، على صعيد الجامعة الواحدة، يبقى من المتمنيات الصعبة التحقيق.

وعليه، فحتى التفكير في إمكانية التعاون بين الجامعات يصبح من قبيل أضغاث أحلام.
فما المطلوب القيام به للعمل على ترشيد ظروف وإمكانيات البحث العلمي المتواضعة؟ .

المطلوب أن يعمل المسؤولون عن الجامعة (أو الوزارة) على إرساء نهج “تجميع أجهزة البحث” (mutualisation des instruments et appareils de recherche) ضمن منصة مشتركة (plateforme commune).

ولن يعطي هذا النظام لترشيد البحث العلمي أُكله إلا من خلال إحداث مناصب مالية لتقنيين متخصصين قادرين على التعامل والتكيف مع جميع أنواع أجهزة وآلات البحث التي يتم اقتناؤها.

دور هؤلاء التقنيين المتخصصين يتمثل في القيام بتشغيل الآلات والأجهزة العلمية وكذا القيام بمختلف عمليات القياس التقنية المطلوبة من طرف الأساتذة الباحثين لتسهيل مهمة الباحثين الشباب، وكل الباحثين.

هذه المقاربة التشاركية، بدأنا العمل بها في المدرسة العليا للأساتذة، ولو في غياب الشروط الضرورية من قبيل إيجاد مقر مناسب للمنصة المشتركة وكذا إحداث منصب لتقني متخصص أو منصبين.

ومما يجب التوقف مليا عنده، أن تأسيس المسؤولين الجامعيين لهذه المنصات المشتركة بكل شروطها، سيمكن من ترشيد الإمكانيات المادية المتواضعة المخصصة للبحث العلمي، وهو ما سيسهم بفعالية في تنشيط وتعزيز البحث العلمي ببلادنا.

فهذه المقاربة التشاركية ستجعل الأساتذة الباحثين يتبارون في البحث العلمي وعن إمكانيات التعاون والتآزر والتشارك فيما بينهم ومع مؤسسات أخرى، مما سيرفع من مستوى التدريس والتأطير في الجامعة والتعليم العالي، وهو ما سيعود بالنفع العميم على الجامعة وعلى التعليم بكل أطواره وعلى المجتمع بكل ميادينه ومؤسساته.

*عبد الله لخلوفي أستاذ جامعي في المدرسة العليا للأساتذة- جامعة محمد الخامس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *