الاعتراف الفرنسي الثاني لم يقتصر على تأكيد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، بل شمل، أيضا، التنويه بجهود المغرب من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصحراء المغربية، والتأكيد على التزام فرنسا بمواكبة المغرب في هذا المجهود التنموي لفائدة سكان الأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية…

سليكي محمد

*محمد سليكي

عاشت العلاقات المغربية الفرنسية، في السنوات الأخيرة، فصولا مضطربة، تعدّت أحيانا “سوء الفهم” وردود الفعل الانفعالية إلى “عداء سافر”، من قبل فرنسا ضد المغرب، وضد وحدته الترابية وسيادته الوطنية، وضد مصالحه العليا إقليميا وقاريا وعالميا….

لقد كانت أذرع فرنسا المتعددة والمتنوعة، تتحرّك في العديد من الواجهات، ليست آخرها تلك الحملة الممنهجة، التي شُنّت على المغرب في البرلمان الأوروبي، ولا تلك الخرجة “الرعناء” للرئيس الفرنسي عندما أعطى لنفسه “حقا” أهوج في مخاطبة الشعب المغربي، الذي أظهر وعيا فاجأ الفرنسيين والعالم، في مواجهته لهذه الخطوة “الهوجاء”، التي اعتبرها حلقة من سلسلة ممارسات استعمارية بائدة، تحنّ إلى عهد الحجر والوصاية، والتدخّل السافر في سيادة الدول.

 حينها أدرك الفرنسيون والعالم أن المغرب دولة أمة، ضاربة في أعماق التاريخ، بمئات القرون، وليس فقط باثني عشر قرنا، هي فقط عمر بداية حكم السلالة العلوية…

وخلال “سنوات الغبار” هذه، ستُبدي باريس وجهًا آخر، بخروج العديد من الفاعلين الفرنسيين، سياسيين وديبلوماسيين ومثقفين ونشطاء مدنيين، لمواجهة العقليات والسلوكات الاستعلائية، وللتشديد على أن للمغرب أصدقاء أوفياء وعقلاء وحكماء في فرنسا، وأن مستقبل بلد الأنوار هو مع المغرب، وأن لا خيار غير تصحيح العلاقات بين باريس والرباط، الضاربة في أعماق التاريخ، وأن قدرهما ظل باستمرار هو التعاون المشترك…

وحتى في عز “سنوات الرصاص”، التي مرت منها العلاقات المغربية الفرنسية، خلال فترة الاستعمار، التي سالت فيها دماء المغاربة الأحرار في معارك ضارية من أجل التحرّر من الاحتلال وتحقيق الاستقلال، ستمتزج دماء المغاربة والفرنسيين معا من أجل الحرية والانعتاق، إذ شارك الجنود المغاربة إلى جانب الفرنسيين في حرب تحرير باريس من النازية في الحرب العالمية الثانية…

في تلك المرحلة، سيشهد العالم اعتراف فرنسا بدور المغرب في دحر النازية، إذ سيبادر الجنرال دوغول، الذي لم يستطع أن يتحرّر هو نفسه من الذهنية الاستعمارية، إلى توشيح المغفور له الملك محمد الخامس بوسام “رفيق التحرير”، مما ساهم في تعبيد طريق الانتقال من الاحتلال إلى الاستقلال، في إطار من التعاون والاحترام المتبادل، بعيدا عن القطيعة وتصفية الحسابات، وأن قدر البلدين، فضلا عن التعاون، هو المصير المشترك…

واليوم، والرباط وباريس تدشنان “سنوات الوضوح”، بعيدا عن الغموض في المواقف وعن التناور وحتى التآمر في الظلام، يسجل المغاربة والفرنسيون والعالم اعترافا فرنسيا ثانيا بحقيقة تاريخية مغربية، برسالة رسمية أعلن فيها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للجالس على عرش المغرب، الملك محمد السادس، أنه “يعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”….

يذكر أن جريدة le12.ma، كانت سباقة الى نشر خبر رسالة ماكرون الى الملك، حين كتب قبل ثلاثة أيام إستنادا الى معطياتها مقالا تحت عنوان: سري. رسالة تاريخيّة من ماكرون إلى الملك لتأكيد إعتراف فرنسا بمغربية الصحراء

إليكم رابط المقال:

سري. رسالة تاريخيّة من ماكرون إلى الملك لتأكيد إعتراف فرنسا بمغربية الصحراء

الاعتراف الفرنسي الثاني لم يقتصر على تأكيد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، بل شمل، أيضا، التنويه بجهود المغرب من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصحراء المغربية، والتأكيد على التزام فرنسا بمواكبة المغرب في هذا المجهود التنموي لفائدة سكان الأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية…

 

“الاعتراف الفرنسي الثاني” يفتح كل الأبواب مشرعة على مزيد من التعاون، في إطار المصالح المشتركة، وبناءً على المصير المشترك، مما يغذّي أكثر انتظارات وتطلّعات المغاربة وأصدقائهم الفرنسيين إلى أفقين مستقبليين حيويين :

 

أولا، اعتراف فرنسي ثالث يصحّح أخطاء تاريخ الماضي وجرائم العهد الاستعماري البائد، ويعترف بمغربية الصحراء الشرقية، التي اقتطعها المستعمر الفرنسي من التراب المغربي وضمّها إلى الجزائر، التي لم تكن دولة بعد، وإنما مجرّد مقاطعة فرنسية، مثلها مثل باقي المقاطعات المعروفة دوليا باسم “أقاليم فرنسا ما وراء البحار”، وأن تفرج فرنسا على أرشيفها السري وتنشره للعلن ليعرف العالم أجمع الجرائم التقسيمية والتجزيئية، التي مارسها الاستعمار ضد المغرب، الذي لن يسكت إطلاقا عن أراضيه المغربية، كل أراضيه المحتلة، من الصحراء الشرقية، إلى سبتة ومليلية وباقي جزره المحتلة…

ثانيا، تعزيز التعاون في إطار عملية بناء جديدة لشراكة استراتيجية مغربية فرنسية، إذ أن الاعتراف الفرنسي يحرّر الفضاء المشترك بين البلدين من الغيوم والغبار وحالات سوء الفهم العابرة، ويفتح، بالتالي، آفاقا رحبة لتطوير لتعاون في مختلف المجالات، خصوصا عندما يكون التعاون معزَّزًا بالإرادة المشتركة في الدفع قدما بالعلاقات الثنائية، ليس فقط في أبعادها المحلية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، بل كذلك في أبعادها الإقليمية والدولية، وهي متعدّدة، بدءا من الفضاء الأرومتوسطي، ومجموعة “خمسة زائد خمسة”، والمجموعة الإفريقية الفرنسية، ومنظمة الفركوفونية، وصولا إلى المحافل والمؤسسات الدولية الكبرى، وفي صدارتها مجلس الأمن والأمم المتحدة، والعمل معا لنصرة القضايا العادلة وصيانة الأمن والسلام في العالم، مع احترام سيادة الدول الوطنية ووحدتها الترابية والخصوصيات الثقافية والحضارية للشعوب، فضلا عن مناصرة الشرعية الدولية في قضية الشرق الأوسط، بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وتجسيد حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة، والتمسك بحل النزاعات بالطرق السلمية، والدعوة إلى الحوار، ورفض الإرهاب والتطرف.

 هكذا، إذن يمكن لفرنسا أن تضع يدها في يد المملكة المغربية كشريك موثوق لبناء المستقبل المشترك، ومواجهات تحديات عالم جديد يبدو أنه يتشكل في الأفق على نحو قد تكتب معه صفحات بكل الالوان من تاريخ الشعوب والامم.

سليكي عن زيارة الملك لباريس..مصالح فرنسا تقتضي الاعتراف بمغربية الصحراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *