منصف اليازغي*

ما يعتمل حاليا من نقاش حول نهائي عصبة الأبطال الإفريقية منذ “ليلة رادس” بتاريخ 31 ماي 2019 هو أمر صحي مقبول، الهدف منه تبادل الأفكار والاستفادة من بعضنا البعض من خلال خلق جو من تدافع للرأي والمعلومة. كل ذلك بافتراض أننا نتطلع لنهاية تكون ودادية سعيدة، بعيدا عن لغة الانتماء أو التعصّب، الذي يستحضر كل ما يفرق أكثر مما يبسط ما يجمعنا في هذا البلد.

مناسبة القول ما تَجمّع مجددا من معطيات للاستئناس، وهي ليست قطعية بقدر ما تستلهم خيوطها من أمور واقعية وخلاصات متفرقة تنضاف إلى تلك التي سبق أن نشرتُ في تدوينة أمس الأربعاء، إن أصابت فلنا أجرها، وإن جانبت الصواب، فلنا شرف المحاولة:

1- تفادى الوداد الأسوأ في محطة الـ”تاس”، بما أن القرار ارتأى إحالة الموضوع على اللجنة المختصة في الـ”كاف”، وبالتالي فالقائمون على الملف التقطوا أمس أنفاسه ووضعوا أحد السيناريوهات المرعبة في سلة المهملات؛

2- قرار التاس يعدّ سندا قويا في السجال الدائر بخصوص “انسحاب الوداد”، فهو يقول إن الوداد رفَض مواصلة اللعب إلا بعد تجهيز تقنية “الفار”، وبالتالي جاء ليقطع الطريق أمام فرضية “الانسحاب”، التي لم يشر إليها تقرير حكم ومندوب المباراة.. ومن الأفضل في هذه الحالة الاطّلاع على البلاغ الصحافي لـ”تاس”، فهو مصاغ بطريقة أبسط وأوضح مقارنة مع القرار؛

3- قرار اللجنة التأديبية لـ”كاف” لن يكون محل طعن من الـ”تاس” بحكم أن الأخيرة قالت، بـ”الفم المليان”، إن اتخاذ قرار إعادة المباراة من عدمه ليس من اختصاصها؛

4- الفقرة ما قبل الأخيرة من القرار هي “القفل”، إذ أنها لا تطلب سوى تصحيح القرار شكليا، أي إعادة صياغته قانونيا ممهورا بتوقيع اللجنة التأديبية، وإعادته إلى “تاس”، التي لا صلاحية لها في اتخاذه، وفق ما أكدت بنفسها في قرارها؛

5- النهاية السعيدة لفيلم “وداد” تتحدد في مسألة أساسية، وهو “التعليل” الذي سيصاحب قرار اللجنة التأديبية في حالة إعلانها إعادة المباراة أو اعتبار الوداد فائزا، إذ يتوجب تضمينه السند القانوني المعتمَد عليه، أو بتعبير القانونيين “التطريز القانوني للقرار”، للحيلولة دون توجه الترجي إلى الـ”تاس”، وحتى في حالة توجّهه إلى لوزان، فـ”تاس” شبيهة بالمحكمة الدستورية، فمهامهما تلتقي على التوالي في التأكد من قانونية ودستورية المساطر والقوانين الموظفة ليس إلا، خصوصا أن أحد المحكّمين في قضية الوداد والترجي في “تاس” يهيم حبا في مبدأ احترام المساطر والسندات القانونية (!)؛

6- اللجنة التأديبية في الـ”كاف” ستعتمد، كما أسلفت أمس، على تقريرَي حكم ومندوب المباراة. وبما أن من اطلع على التقريرين، وليس من سمع بهما أو مرّ بجانبهما أو تناهى إلى علمه، أكد أن التقريرين يدينان بكيفية مباشرة الترجي، فإن الأخيرَ ورئيسه معرّضان لعقوبات قاسية قد تمتد إلى حد توقيف الرئيس أربع سنوات وغرامة كبيرة على الفريق التونسي.. وهذا لا يعني أن الوداد معفى من عقوبات، لكنْ بكيفية أخفّ (نزول سعيد الناصري إلى رضية الملعب؛ رمي الجمهور الأحمر الشماريخ؛ نرفزة بعض اللاعبين خلال توقف المباراة)؛

7- الترجي دافع بشدة في مرافعته في لوزان عن أن قرار المكتب التنفيذي للـ”كاف” إعادة المباراة هو قرار تأديبي يتبع للجنة التأديبية في الـ”كاف”، وهو بذلك كمن كتب حكم الإعدام في حق نفسه بكلتا يديه.. فبما أن اللجنة التأديبية في “كاف” هي التي ستصدر القرار فستصدره وفق التوصيف الذي جاء به لسان الترجي، أي أن إعادة المباراة هي جزء من العقوبة التأديبية؛

8- لا يمكن، في أي حال من الأحوال، أن يكون قرار اللجنة التأديبية مخالفا لقرار المكتب التنفيذي، الذي كان معيبا على مستوى الشكل، فالأمر شبيه بإعلان فرع لبنك في وارزازات قرارا يناقض قرار البنك الرئيسي في الرباط، والـ”كاف” لن تسمح بلطم وجهها بيديها، خصوصا في الظرفية الحالية، بل إن الاحتفاظ بالقرار نفسه على الأقل وإلباسه لبوسا قانونيا هو السبيل الأمثل لحفظ ماء وجه الـ”كاف”؛

9- اللجنة القانونية مستقلة، وفق النظام الأساسي لـ”كاف”، ولا يمكن للأمينة العامة لـ”فيفا”، التي تمت “إعارتها” للكاف مدة سنة، التدخل في عملها أو توجيهها؛

10- في حالة صدور قرار اللجنة التأديبية وتجاوزه مرحلة الاستئناف، من حق الفريقين معا التوجه مجددا للـ”تاس”، بما أننا أمام قرار جديد، بينما قرار “تاس” أمس غير مسموح بالطعن فيه، فقراراتها نهائية وفق البروتوكول المعمول به والموافَق عليه تلقائيا من المتقدمين للتقاضي، بل إن النظام الأساسي لـ”فيفا” يحتّم إحالة أي خلاف في كرة القدم إلى الـ”تاس” كسلطة تتمتع بقوة إصدار قرارات نهائية؛

11- للتذكير، ورغم أني أشرت إلى هذه النقطة بالأمس، فإنه لا يتوجب التعامل مع القرار بسخونة زائدة في حينه، بل قراءته وإعادة قراءته، فجملة “رفض دفوعات الوداد وقبول دفوعات الترجي” ليست أمرا مزلزلا، كما ذهبت إلى ذلك بعض التحليلات، فهي تتعلق، يا سادة، بكون الوداد كان يطالب بالفوز المباشر ضمن سياسة رفع سقف المطالب عاليا. وطبيعي أن ترفض الـ”تاس” هذا الطلب، بحكم أن القرار المطعون فيه تم رفضه أصلا، في حين أن دفوعات الترجي تشمل أمورا أخرى ارتأت الـ”تاس” إجراء مداولات بشأنها؛ أي أن الأهم في القرار، بصريح العبارة، هو منح صلاحية إصدار القرار للجنة داخل الـ”كاف”، على نحو شبيه بتصحيح الإمضاء من لدن الإدارة المختصة، وتفادي إصدار حكم مباشر من الطاس بخصوص مآل المباراة؛

12- عندما تشير الفقرة الأخيرة إلى أن الـ”تاس” ستأخذ بعين الاعتبار قرار اللجنة المختصة في الـ”كاف”، فإن ذلك يعني أن القرار النهائي للـ”كاف” سيكون سندا للإعلان عن القرار النهائي الـ”تاس” بخصوص الموضوع، بما أنها أعلنت صراحةً أن قرارها ليوم أمس هو قرار “جزئي”؛

13- بقي أن نشير إلى أربعة أمور، وإنْ بأثر رجعي، الصواب بالنسبة إلى الوداد، ليلة مباراة 31 ماي 2019، كان هو إتمام المباراة بعد أن يكون قد سجّل اعتراضا تقنيا، وبالتالي سد الباب أمام اللغط الدائر حول مسألة “الانسحاب” من عدمه، وتقديم طعن في المباراة بعد ذلك في ظروف عادية. الأمر الثاني هو أن الوداد أحسن صنعا عندما قدّم طعنا في المباراة في اليوم الموالي لانتهائها. أما الأمر الثالث فهو أن الوداد أحسن تدبير مرحلة ما قبل وبعد الإعلان عن قرار الـ”كاف” في باريس، ثم إلى غاية الآن، إذ سلك مسلكا تواصليا محكم المنافذ، تفاديا لتسرب مواقف قد تضر بموقف الوداد. الأمر الرابع هو أن الوداد نجح في دفع الترجي إلى الدخول في صراع مع الـ”كاف” بعد التصريحات والمواقف المتهورة التي عبّر عنها مسؤولوه في جميع الاتجاهات، وهو مكسب حقيقي للوداد باعتبار أن الـ”كاف” لن يتغاضى عن سلوك فريق الترجي منذ توقف المباراة في الدقيقة الـ59 إلى غاية الآن. والوداد بذلك كان كمن “يخبط” رأسي الترجي والـ”كاف” بعضهما ببعض؛

14- التونسيون لم يقتنعوا، إلى غاية الآن، بأن معركة الوداد ليست معهم كترجي أو اتحاد تونسي، بل مع الـ”كاف” من أجل استرداد حق يرونه مشروعا، بوسائل قانونية، وهو ما أغرقهم في جهد مضاعف؛

15- ربما في حالة انتهاء الموضوع نهاية سعيدة، ستطفو على السطح أسماء ظلت بعيدة عن الأضواء طيلة شهرين، في حين أن تأثيرها كان قويا في الملف ويؤكد جودة خبرات مغربية قادرة على تدبير ملفات كهذا. وحتى في حالة صدور قرار معاكس، لا يتوجب تبخيس عمل لم ولن يعرف قيمتَه سوى التونسيين، الذين يمسكون، الآن، رؤوسهم بين أيديهم، في الوقت الذي تنهي فيه أنت قراءة هذه التدوينة المتواضعة.

***

*دكتور خبير في السياسات الرياضية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *