يتحدث ياسيـن كحلـي، وهو مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية، في مقال له تنشره le12.ma، عن “الدرهم الإلكتروني: ثورة رقمية في النظام المالي المغربي”.

ويتناول المقال التحولات الكبيرة التي يشهدها النظام المالي في المغرب بفضل تبني الدرهم الإلكتروني. ويستعرض المقال الأسس التقنية والاقتصادية لهذه العملة الرقمية، وكيف يمكن أن تساهم في تعزيز الشمول المالي وتطوير البنية التحتية الاقتصادية للبلاد. كما يتناول التحديات المحتملة التي قد تواجه هذه المبادرة وأقدم بعض التوصيات لضمان نجاحها.


*ياسين كحلي

وفيما يلي المقال كاملا:
 
المغرب يشهد تطورا ملحوظا في مجال العملات الرقمية مع إطلاق مشروع الدرهم الإلكتروني الذي تقوده “مؤسسة بنك المغرب”، والتي تعتبره جزءا من الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي، والذي يهدف إلى تقليل الاعتماد على النقد الورقي وتعزيز الشمول المالي من خلال تقديم خدمات مالية أكثر كفاءة وأمانا، فضلا عن تقديم فوائد اقتصادية واجتماعية متعددة.

الدرهم الإلكتروني (e-Dirham) هو عملة رقمية تمثل الخطوة المقبلة في جهود المغرب للانتقال إلى اقتصاد رقمي متكامل، تعتمد هذه العملة على تكنولوجيا متقدمة تهدف إلى توفير حلول دفع أكثر فعالية وأمانا، بهدف تقليل التعاملات النقدية التي يمكن أن تكون مكلفة ومعرضة للمخاطر؛ كالسرقة أو التزوير.

وإذا ما نظرنا تاريخيا، سنجد أن المغرب اعتمد بشكل كبير على التعاملات النقدية في شكلها الكلاسيكي، وهو ما شكل تحديات كبيرة من حيث التكلفة والأمان. مبادرة الدرهم الإلكتروني تأتي كجزء من جهود “مؤسسة بنك المغرب” بغية تعزيز الحكامة المالية والكفاءة في النظام المالي. من المتوقع أن يقلل هذا المشروع من تكلفة إدارة النقد ويعزز من الكفاءة التشغيلية للبنوك والمؤسسات المالية.

المشروع يأتي بعد عدة مراحل من البحث والتطوير. في بداية الأمر، قامت “مؤسسة بنك المغرب” بإجراء دراسات مكثفة لتقييم الفوائد المحتملة والتحديات المتعلقة بإطلاق عملة رقمية. تلت هذه الدراسات مرحلة تجريبية تم خلالها اختبار الدرهم الإلكتروني في نطاق محدود للتأكد من جاهزيته وسلامته. الآن، ومع الكشف عن المرحلة الأولى من الاختبارات، يبدو أن المشروع يسير في الاتجاه الصحيح نحو التنفيذ الكامل.

الدرهم الإلكتروني لا يقتصر فقط على توفير وسيلة دفع رقمية، بل يهدف كذلك إلى تعزيز الشمول المالي. وذلك من خلال تسهيل الوصول إلى الخدمات المالية للأفراد غير المتعاملين مع البنوك التقليدية، يمكن أن يسهم المشروع في تحقيق العدالة المالية وتمكين الأفراد اقتصاديا. كما يسعى المشروع إلى تقليل تكاليف التحويلات المالية وتحسين سرعة وكفاءة التعاملات المالية والبنكية.

أحد أهم الجوانب التي تم التركيز عليها في مشروع الدرهم الإلكتروني هو الأمان. لضمان سلامة التعاملات وحماية البيانات المالية للمستخدمين، وقد اعتمدت “مؤسسة بنك المغرب” على أحدث تقنيات التشفير والأمن السيبراني. هذا يعزز الثقة في النظام الجديد ويشجع المزيد من الأفراد والشركات على تبني هذه العملة الرقمية.

إلى جانب الفوائد الاقتصادية والتقنية، يحمل الدرهم الإلكتروني تأثيرات إيجابية على الاقتصاد الكلي. من المتوقع أن يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال تحسين كفاءة النظام المالي وخفض التكاليف المرتبطة بإدارة النقد. كما يمكن أن يعزز من قدرة الحكومة على تتبع التعاملات المالية والحد من الأنشطة الاقتصادية غير القانونية.

تجدر الإشارة إلى أن إطلاق الدرهم الإلكتروني يأتي في وقت يشهد فيه العالم تحولا سريعا وكبيرا نحو الاقتصاد الرقمي. العديد من الدول بدأت بالفعل في تبني العملات الرقمية، والمغرب يسير على خطى هذه الدول عبر تبني هذه التكنولوجيا المبتكرة. هذا يعكس رؤية المغرب الطموحة في أن يكون رائدا في مجال التكنولوجيا المالية على مستوى المنطقة.

الاستجابة للمشروع كانت إيجابية بشكل عام. على اعتبار أن القطاع المالي ـ بما في ذلك البنوك والمؤسسات المالية ـ أبدى دعمه لهذه المبادرة. كذلك، يرى الكثير من الخبراء أن هذا المشروع يمكن أن يكون له تأثير كبير في تحسين النظام المالي المغربي وجعله أكثر كفاءة ووضوح.

على الرغم من التحديات المحتملة، كالحاجة إلى تحديث البنية التحتية التقنية والتأكد من جاهزية النظام للتعامل مع عدد كبير من المستخدمين، إلا أن “مؤسسة بنك المغرب” تتبنى التزاما قويا بتحقيق نجاح هذا المشروع. فالجهود المستمرة في البحث والتطوير، بالإضافة إلى التعاون مع المؤسسات المالية الوطنية والدولية، تعتبر عوامل مهمة تساهم في تحقيق أهداف المشروع.

وبالتالي يمكن القول بأن الدرهم الإلكتروني يشكل خطوة جريئة ومهمة نحو مستقبل مالي رقمي في المغرب. هذه المبادرة لا تعمل على تبني التكنولوجيا الجديدة فحسب، بل هي رؤية استراتيجية لخلق بيئة مالية أكثر حكامة وشمولية.

إلى جانب التقدم المستمر في هذا المشروع، يمكن للمغرب أن يتطلع إلى مستقبل حيث تكون التعاملات المالية أكثر سهولة وأمانا، مما يعزز من القدرة التنافسية للاقتصاد المغربي على المستوى العالمي

*مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *