القباحة كانت هي أن نتجمع مع بعضنا داخل عصابة، وننظم مباراة في الكرة في الساحة الواقعة بين مزبلة سيدي بوحاجة وبرارك الرهونية ضد أطفال فريق الحومة التحتانية الموجودة في حي سيدي بورمانة.

*أحمد الدافري

ونحن صغار في حي سيدي بوحاجة، كنا نتنافس فيما بيننا في القباحة.

القباحة تعني الشر، وكنا نسميها الصلابة.

عبد الخالق وشقيقه الأكبر عبد الباقي، وكنا نسميهما اولاد القايد احميدو، كانا من الجهة التي كنت أنتمي إليها.

كان معنا أيضا كل من ادريس ولد الخضارة الملقب باسم طيطي، ومصطفى ولد الرهونية الملقب باسم جَبَلة، والسعيد ولد الفاطمي الملقب باسم زأوو، وخليل الذي كنا نلقبه باسم ولد حميصة.

أما أنا فكانوا يسمونني كًاييكًو نسبة إلى اللاعب Gallego الذي كان يلعب في وسط الميدان ضمن فريق برشلونة والمنتخب الإسباني، وهو الاسم الذي كان يزعجني ويقلقني وكنت أرفضه لأني كنت لا أحب فريق برشلونة.

تفاجأت يوما أن أحد الأساتذة الأصدقاء القدامى الذي أحترمه كثيرا كتب لي تعليقا هنا عن تدوينة، وقال لي فيه : تبارك الله على خاي كًاييكًو. وهو أمر لم يعجبني بطبيعة الحال.

القباحة كانت هي أن نتجمع مع بعضنا داخل عصابة، وندخل إلى خربة الشتواني ونلعب القمار (العيطة) على قطع الفرنكات (قطع نقدية من معدن الآلومينيوم أو النحاس)، أو أن ننظم مباراة في الكرة في الساحة الواقعة بين مزبلة سيدي بوحاجة وبرارك الرهونية ضد أطفال فريق الحومة التحتانية الموجودة في حي سيدي بورمانة، وألا نخسر المباراة حتى لو تطلب الأمر الدخول في مشاجرات عنيفة معهم تنتهي بالرشق بالحجارة، نكون فيها متموقعين فوق الزبالة وهم تحتها عبر منحدر يؤدي إلى الحومة التحتانية.

القباحة أيضا هي أن نلتئم في عتبة ضريح سيدي بوفريحة قبالة السكة الحديدية التي تمر من جوار ضريح لالة رقية قبالة سوق الحي، وأن يأتي كل واحد منا بما سرقه من فوق الشاحنات المركونة قرب السوق، من بطيخ أو برتقال أو عنب. وأن يتباهى كل واحد منا بما لديه من غنائم.

كل هذه الأسماء التي ذكرت لا يمكنني أن أنساها.

هي جزء من طفولة مرحلة لم يكن فيها لا هاتف ولا أنترنت، وكانت فيها المقاهي تبث مباريات الكرة في شاشات تلفزية بالأبيض والأسود بواسطة لاقطات هوائية، وكان الجلوس في مقهى من تلك المقاهي، ومنها مقهى الشاوي جوار سوق لالة رقية، وسط الدخان المنفوث من سباسى الكيف وجوانات الحشيش، هو امتياز لا يحظى به الجميع.

كانت مرحلة خطيرة. لم ينجُ منها كثير من الأطفال الذين منهم من انحرف وزاغ عن الدراسة.

آخرهم صديق طفولتي عبد الخالق ولد القايد احميدو الذي توفي قبل حوالي ثلاثة أشهر، حيث أصيب بخلل عقلي، وظل يعيش هائما في الحي، إلى أن وجد جثة هامدة في أحد الفنادق الشعبية البخسة، ملتحقا بشقيقه عبد الباقي الذي توفي وهو مازال شابا يافعا بعد تعرضه لتسمم نتيجة تناوله لكحول فاسد، وبعده توفي خليل الملقب باسم ولد حميصة الذي هو أيضا تعرض لخلل في دماغه وأصبح في حالة بئيسة إلى أن توفي وهو في حوالي الثلاثين من عمره.

قال لي أيمن (ابني) يوما وأنا أحكي له عن بعض هذه القصص: هذاك وقت وهذا وقت. وكل وقت عندو قباحتو.

نعم.
كل وقت عندو قباحتو.
لذا لا ينبغي أن يلوم جيل اليوم جيل الأمس، إن اكتشف فيه قبحا ما.

فالقباحة هي وجه من وجوه كل مرحلة.

الله يصلح الحال.
وهذا ما كان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *