كرة القدم الحديثة بتقنياتها وفنياتها وماليتها تتيح لك المزيد من القناعة كونها أضحت صناعة، في حين يراها البعض استثمار، أما التقني فيجدها وسيلة لاتباث الذات في زمن غابت فيه ظروف الممارسة التي تدخل الفرحة على نفوس المتفرجين والمحبين.

بقلم- أحمد العلمي

انتهت دورة اليورو 2024 لكرة القدم بالمانيا، وانقضت معها كل كواليس هذه المحطة التي فازت فيها اسبانيا على الانجليز باللقب، في مباراة تميزت بصراع إثبات الذات، وقدرة تفوق المدارس الرياضية تكتيكيا وفنيا ونفسيا، ثم اقفلت معها كل التكهنات بترشيح منتخب عن الأخر رغم الحمولة التاريخية الكروية لكل مدرسة على حدة.

تقييم هذه المحطة التي احتضنتها ألمانيا بسلبياتها وايجابياتها، مرت بنكهة التساقطات المطرية وحداثة التكنولوجيا، ثم سوء التدبير وضعف تجاوز الأزمات، وبمعية حضور السياسي وراء الرياضي كعلامة فارقة في منظور التفوق والضغط والتميز، وفي كل محطة ذات طابع قاري او عالمي يتعلق بكرة القدم، إلا وتجد السياسي حاضر بكل ثقله ، للضغط ولو نفسيا على مكونات اللعبة، اسواء كان الحدث قاريا أو دوليا ، بل أكثر من ذلك فان السياسي لشغفه باللعبة “كرة القدم” كلغة للتواصل وقوة للضغط الاجتماعي ووسيلة للتحكم الاقتصادي والمالي، يحضر المنافسة مدعما لمنتخب بلاده، حاضرا للقول علانية ان الدولة برمتها وراء كل انجاز تم تحقيقه.

كرة القدم الحديثة بتقنياتها وفنياتها وماليتها تتيح لك المزيد من القناعة كونها أضحت صناعة، في حين يراها البعض استثمار، أما التقني فيجدها وسيلة لاتباث الذات في زمن غابت فيه ظروف الممارسة التي تدخل الفرحة على نفوس المتفرجين والمحبين، وهي الفكرة القطعية التي تفوه بها المدرب الأرجنتيني “مارسيلو بيلسا” في احدى اللقاءات الإعلامية، يقول فيها كرة القدم لم تصبح للفقراء ، نفس الشيء بالنسبة للسوسيلوجي “بيير بورديو” عندما تساءل في احدى مداخلاته كيف يمكنك ان تكون رياضيا؟.
وهو السؤال الذي تعمق فيه بالتحليل وإعطاء اطاريح سوسيولوجية حول التصنيف في الرياضة والانتقال من رياضة النخبة إلى العامة، وبين الاحتراف والهواية، فيما قطعية الارجنتيني “بيلسا: فهي واضحة بحكم التجربة والممارسة وكون القارة الأمريكية تنتج المادة الخام “اللاعب” ليصير ملكا في القارة العجوز.

أما إفريقيا الحالية صارت المنبع للمادة الخام وفضاء للتجنيس ووسيلة الحلم باللقب، وهو ما اكد عليه مدرب المنتخب التركي “فينتشينزو مونتيلا” الذي شارك في اليورو :” نحن المنتخب الوحيد الذي لعب بدون لاعبين مجنسين”، والقصد في ذلك ان كل المنتخبات لها مجنسين من جذور افريقية، بل عمق جراح المسؤولين عن كرة القدم في اوربا، انه اليوم لا يمكن لاي منتخب ان لا يستعين بلاعب إفريقي، بحكم قوته البدنية وقدرة تحمله الطبيعية ، فالواضح ان كل منتخب أوربي تجد فيه لاعبين من جذور افريقية كبروا وتكونوا الشيء الذي يفتح باب التساؤل عن مستقبل الكرة في اوربا.

كرة القدم بين الضفتين اي في أوربا وإفريقيا ، لن تنتهي عند التجنيس او الاستيلاء على المادة الخام وخلق مدارس للتكوين في القارة السمراء، إذ تجاوز الأمر كذلك، فصنع الرياضي بدا يستهوي حتى بعض الرياضيات ككرة السلة مثلا، حيث تقدمت رابطة المحترفين لكرة السلة الامريكية بمشروع بناء مدرسة للاعبين وتهجيرهم الى امريكا للاستفادة من ذلك، اي اعداد جيل يلعب في امريكا بنكهة افريقية.

صراع البقاء الرياضي بدأا منذ بداية التكتلات الرياضية ، فبداية الوضع مثلا في أوربا كان بوضع أسس التفوق المسلح ثم الوجود المالي والاقتصادي والصناعي الى حدود فتح مجال أخر، الا وهو الرياضة عن طريق كرة القدم كنو رياضي جماهيري وصالح لكل مكان وزمان، فيما إفريقيا شرعت في ذلك بالدفاع عن السيادة، طرد الاستعمار وتأميم ممارسة الرياضة وحسم صراع الهوية، إلى أن أصبحت هي الاخرى موضع استثمار وجلب المال، والمسابقات القارية سواء المنتخبات او الاندية، بل منصة للظهور العالمي في التظاهرات الاولمبية والعالمية ، اذ الحصول على تتويج معين، هو فرصة للتعريف بالبلد وعلمه ونشيده وخريطته وجغرافيته.

ان العمل بسرعة التفوق عبر مجال الرياضة ما هو الا اسلوب حياة جديد، ترسخ في عقول الشباب ورؤوس الاموال، كونه مجال خصب لربح المال، ومجال بناء الذات المالية للشباب الطامح في التدرج والتسلق اجتماعيا، لكن كرة القدم بلغة الحرفيين مملوءة بالهواء وقد ياتيك منها ما لم تتوقعه، والدليل على ذلك فوضى اليورو وفوضى كوبا امريكا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *