المرحوم العربي بمنسيك صاحب الأرض والذي سميت باسمه العمالة فرغم ثرائه الفاحش كان يجلس أمام منزله بعد الزوال ليتناول “اتاي” مع جيرانه والمارة.
*الدكتور عبد الرفيع حمضي
عندما كان الدكتور حسن الصميلي عميدا لكلية الاداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، كان همه الرئيسي هو انفتاح الكلية على محيطها الاقتصادي والاجتماعي. حتى تصبح جزء من المشترك المجالي والمؤسساتي، وليس مجرد بناية لمحاربة الأمية.
ولهذا إختار الثقافة حصانا لمعركته. وإذا كانت حصيلة فترته في إدماج الخريجين في محيطهم الاقتصادي وخاصة في المقاولات، جد مشرفة .
فإن أهم إنجاز لكلية بن مسيك هو إبداعها وترسيخها للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي الذي أقام هذه السنة دورته السادسة والثلاثين 36 من فاتح الى السادس من يوليوز.
وبذلك يعتبر أقدم مهرجان دولي للمسرح الجامعي في العالم.
وما كان لذلك أن يكون لولا إرادة فريق يقوده العميد الصميلي.
هذه هي المعطيات التي كانت تقفز على رأس قائمة محرك البحث غوغل الشهير وباقي المحركات، كلما أدخلت كلمة “كلية “وبجانبها كلمة “بنمسيك “قبل يوم السبت 13 يوليوز 2024 .
اليوم الذي حاول فيه ضيف ثقيل، مسؤول إداري وتربوي يحمل صفة عميد لكلية العلوم بنفس الدائرة الترابية إفساد حفل تخرج طلبة مدرسة العليا للتكنولوجيا الذي شرفته بتقديم شهادة التخرج لطالبة متفوقة تحمل كوفية فلسطينية .
فدُوِلَت فضيحته وأصبحت بجلاجل كما يقول أهل مصر.
حتى أن المقاوم شهيد مدينة سمارة سنة 1979 الكولونيل إدريس الحارثي تحرك في قبره وهو الذي تقع كلية العلوم في الشارع الذي يحمل إسمه.
فهل علم الكولونيل أن العميد أساء إلى تاريخه وتاريخ منطقة بنمسيك؟. وأن غوغل أصبح لا يبوح إلا بفضيحة العميد ومآسي الكريان. كلما طلبت معلومات عن بنمسيك.
يبدو ان سي الطالبي، أراد أن يحتمي في جلباب التكنوقراطي الصرف الذي لا تهمه إلا المنجزات. وليس سياقها لا الثقافي ولا السياسي ولا طريقة الإنجاز ولا حتى المآل .
وهو يعلم أن هذه الوصفة رائجة ببلادنا ونتائجها شبه مضمونة .
لكن مع الأسف لم يتوفق. وهو أستاذ مادة الكيمياء chimie في ضبط مكونات ومقاييس تخليطته السحرية وإن كانت عاشوراء حينها على الأبواب.
لم يفهم العميد أن المجتمع الذي لا حماس لشبابه هو مجتمع مريض.
ولا قيمة لدراسة جامعية لا تنتج طالباً مرتبطاً بقضاياه الوطنية والإنسانية. فما بالك والأمر يتعلق بالقضية الفلسطينية وما يتعرض له شعبها.
وتشاء الظروف أن تكون مدينة خان يونس ثاني أكبر مدينة بغزة تتعرض للقصف من طرف الصهاينة في نفس اللحظة التي كان سي الطالبي يستهزئ بقطعة قماش لها من الرمزبة والدلالة الحضارية والإنسانية أكثر من أي موقف سياسوي اختزالي.
كيف غاب عن العميد أن جل المحللين والمراقبين الدوليين يقرون الآن، والآن فقط بأن العالم بخير لأن الطلبة، -ضمير العالم المقبل- تضامنوا مع الفلسطينيين بعدما تآمر السياسي وصمت المثقف وخذل الإعلامي!.
ماذا أصاب العميد ومداد صحف العالم لازالت لم تجف وهي تتحدث عن شجاعة “كلودين غاي “بعد تعرضها لهجوم شرس من طرف اللوبي الصهيوني ورفضت ان تقر ان ما يقوم به طلابها بجامعتها هو معاد للسامية وانما إحتجاج على ما تقوم به إسرائيل.
فكان أن استقالت من رئاسة جامعة هارفرد بكامبريدج وهي الجامعة العريقة والتي ستحتفل قريبا بأربعة مئة سنة على تأسيسها.
هكذا إذن سقط سي الطالبي الإنسان بمخالفته لقواعد اللياقة والأدب كضيف مدعو للحفل وليس صاحبه. وسقط سي الطالبي الأستاذ لأنه لم يشجع ولم يحفز الطالبة ومن خلالها الآخرين على الاجتهاد.
وسقط سي الطالبي الأب وهو يهين أمهات وأباء الطلبة الحاضرين.
وسقط سي الطالبي، العميد لأن الفتنة نائمة عندما حاول أن يوقظها.
وقبل هذا وذاك سقط سي الطالبي الإنسان .
لكن هل هذا السقوط يعطي الحق لأي كان أن ينهش في عرض الرجل وأسرته؟ .
هل هذا السقوط يبيح الدعوة إلى الكراهية والتخوين والتكفير ؟ .
ألم يسقط الكثير من رواد الشبكات الاجتماعية في فخ “الفوضى الخلاقة” التي يستمد منها المتطرفون أساليبهم التأطيرية.
يروى أن الإمام الشافعي قال يوما لاحد طلابه:
يا يونس
– أكره “الخطأ” دائمًا… ولكن لا تكره “المُخطئ”.
وأبغض بكل قلبك “المعصية”.. لكن سامح وارحم “العاصي”.
يا يونس، انتقد “القول”… لكن احترم “القائل”… فإن مهمتنا هي أن نقضي على “المرض”… لا على “المريض”.
وفي الأخير المرحوم العربي بمنسيك صاحب الأرض والذي سميت باسمه العمالة فرغم ثرائه الفاحش كان يجلس أمام منزله بعد الزوال ليتناول “اتاي”. مع جيرانه والمارة .
فلو كان حيّا لقام مهرولًا وهو غاضب من العميد ومهاجموه معاً، لأن للخصومة كذلك ، قيم وأخلاق.