بعد مخاض طويل ونقاشات ومشاورات مكثفة، توفقت مكونات مجلس النواب، في إقرار نظام داخلي جديد للمجلس سمته الأبرز اشتماله على 13 مادة معدلة تتعلق بمدونة الأخلاقيات البرلمانية بعد استحضار مضمون الرسالة الملكية الموجهة إلى البرلمان بمجلسيه بمناسبة الذكرى الستين لقيامه.

وتُرسي هذه الخطوة التي كانت محط ترقب من لدن المتابعين للشأن السياسي الوطني، لبنة أخرى في مسار تعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة وتخليق الحياة البرلمانية، ورسم صورة مضيئة عن مستوى النضج الذي بلغته الممارسة السياسية في البلد والتي تعد المؤسسة التشريعية إحدى واجهاتها البارزة.

والأكيد أن التوجيهات الملكية السامية الواردة في الرسالة التي وجهها جلالة الملك بمناسبة تخليد الذكرى الستينية لقيام البرلمان، كانت عاملا حاسما في تسريع عملية تعديل النظام الداخلي وتضمينه مدونة الأخلاقيات ، حيث أكد جلالة الملك على ضرورة “تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها، تكون ذات طابع قانوني ملزم”.

وتفاعلا مع التوجيهات الملكية السامية، عكف مكتب مجلس النواب على صياغة مواد تستجيب لتطلعات جلالة الملك ولتطلعات المواطنين، من خلال إقرار تعديلات على 13 مادة من النظام الداخلي، تحدد المبادئ المؤطرة للممارسة البرلمانية والواجبات وضوابط السلوك المرتبطة بها، وتضع الآليات الكفيلة بإلزام النواب على التقيد بتلك المبادئ والضوابط داخل المجلس وخارجه.

ولضمان الالتزام الأمثل بمدونة الأخلاقيات، تم إدخال تعديل على المادة 68 من النظام الداخلي لمجلس النواب ينص على إحداث لجنة خاصة في مستهل كل فترة نيابية وفي منتصفها تتولى مهمة تتبع تطبيق مدونة الأخلاقيات البرلمانية، ينتدب لها أربعة أعضاء من المجلس، عضوان منهما ينتميان للمعارضة.

وتقوم لجنة الأخلاقيات بالتحقق من المخالفات التي قد يرتكبها أحد أعضاء المجلس والمحددة في المدونة وتحيط مكتب المجلس بها علما. وتقدم اللجنة الخاصة الاستشارة لمكتب المجلس ولكل عضو من أعضاء المجلس يرغب في ذلك، وترفع توصياتها بشأن كل وضعية معروضة عليها لمكتب المجلس الذي تعود له مهمة ضبط ومراقبة احترام مدونة الأخلاقيات، كما تعد تقريرا بأنشطتها كل سنة تشريعية على الأقل ترفعه لمكتب المجلس.

وفي مداخلاتها خلال جلسة التصويت على مقترح تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب الذي تمت المصادقة عليه الثلاثاء بالأغلبية (موافقة 117 نائبا وامتناع نائبتين عن التصويت)، أكدت الفرق النيابية، أغلبية ومعارضة، على أهمية اعتماد مدونة الأخلاقيات البرلمانية ودورها المرتقب في السمو بالعمل البرلماني وتخليقه، وإرساء قيم النزاهة والمسؤولية والشفافية.

في هذا الصدد، أكد فريق التجمع الوطني للأحرار أن مدونة السلوك وتخليق الحياة البرلمانية “لا تحد من صلاحيات ومهام أعضاء مجلس النواب، بل ستعمل فقط على تنظيم طريقة أدائهم لمهامهم على أفضل وجه”، وترسيخ قيم الاختيار الديمقراطي، وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسسة البرلمان.

وأضاف أن مفهوم التخليق البرلماني اتخذ منحى أكثر قوة، خصوصا بعد الرسالة الملكية السامية بمناسبة مرور 60 سنة من التجربة النيابية، مشددا على أن ذلك يفرض على الجميع العمل على تنزيل التوجيهات الملكية السامية بما يمكن من استعادة ثقة المواطنين وتحصين مؤسسة البرلمان.

من جانبه، سجل الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية أن مجلس النواب، تفعيلا للتوجيهات الملكية، أقر مدونة من أجل تخليق الممارسة البرلمانية بشكل يساهم في تعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة والرفع من مستوى مصداقيتها.

وأضاف أن مجلس النواب حرص على التجاوب الفوري مع التوجيهات السامية لجلالة الملك من خلال إحداث لجنة خاصة تتتبع تطبيق مدونة الأخلاقيات البرلمانية.

بدوره، اعتبر الفريق الحركي أن البرلمان أقر مدونة “متكاملة” للسلوك والأخلاقيات، داعيا إلى تنزيل أمثل لهذه المدونة من أجل الحفاظ تعزيز الثقة في المؤسسة التشريعية.

من جهته، أبرز فريق التقدم والاشتراكية أن مجلس النواب بادر، تفاعلا من التوجيهات الملكية السامية، إلى إدراج تعديلات جديدة على مدونة السلوك والأخلاقيات في إطار مقاربة تشاركية وتوافقية، “ما يعبر عن نضج سياسي ومؤسساتي لكافة مكونات المجلس”.

وفي نفس السياق، أكدت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية على أهمية المدونة، وكذا دور الأحزاب السياسية في التأطير والمواكبة واختيار المرشحين، داعية إلى التحلي بالجدية والمسؤولية من أجل تقوية دور المؤسسة التشريعية.

وبخصوص الأثر المأمول لمدونة الاخلاقيات في الارتقاء بالعمل البرلماني وتعزيز مصداقيته، قال أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية السويسي، أحمد بوز، إن تعزيز الإطار المعياري والقانوني المنظم لعمل البرلمانيين والمؤطر لسلوكاتهم في ممارستهم لوظيفتهم التمثيلية له دور في تجويد العمل البرلماني والرفع من مستواه، إن على مستوى التشريع أو الرقابة أو التقييم أو على مستوى الدبلوماسية البرلمانية التي أضحت هي كذلك وظيفة على درجة كبيرة من الأهمية في عمل المؤسسة البرلمانية.

وأوضح الأكاديمي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن النظام الداخلي لكل من مجلس النواب أو مجلس المستشارين لم يكن يخلو في السابق من ضوابط في هذا المجال، بيد أن واقع الممارسة كشف عن معطيين في هذا الصدد، من جهة، أن هذه الضوابط غير كافية لتأطير كل ممارسات البرلمانيين، ومن جهة ثانية صعوبة تطبيق بعض تلك الضوابط على المنتهكين لمضامينها.

وأضاف أنه إذا كانت المؤسسة البرلمانية، ومجلس النواب على وجه التحديد، قد تدخلت من جديد لتعزيز هذه الضوابط، أخذا بعين الاعتبار مضامين الرسالة الملكية، واستحضارا أيضا لبعض الممارسات التي كانت منطلقا لمتابعة عدد غير مسبوق من البرلمانيين وتجريدهم من صفتهم البرلمانية، فإن النصوص مهما كانت جيدة، فإن فعاليتها تتوقف على الكيفية التي سيتمثل بها الفاعلون في المؤسسة البرلمانية هذه النصوص.

وفي ما يتعلق بإدراج المقتضيات ذات الصلة بأخلاقيات العمل البرلماني ضمن النظام الداخلي لمجلس النواب عوض صياغة مدونة مستقلة، اعتبر الأكاديمي أن هذا الأمر لا يطرح مشكلا في حد ذاته، على الأقل من الناحية السياسية ومن ناحية النجاعة في التفعيل.

من جهة أخرى، أكد بوز أن مسألة التخليق تجد لها امتدادا في الحقلين السياسي والحزبي، حيث تتفاعل المؤسسة البرلمانية مع محيطها السياسي والاجتماعي، ومكوناتها هي في نهاية المطاف إفراز لواقع الممارسة السياسية والحزبية والانتخابية.

وخلص إلى أن موضوع التخليق البرلماني، قبل أن يكون مجموعة نصوص وضوابط، هو سلوك سياسي وثقافي يرتبط بطبيعة التنشئة السياسية التي تلقاها المنتخبون، كما يرتبط بنوعية “البروفايل” السياسي الذي يقدمه هذا الحزب أو ذاك من أجل خوض معركة التمثيل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *