كان المشهد قبل أيام في مقبرة الرحمة بالقنيطرة، مفعما بالمشاعر وغنياً بالرسائل، وبن طازوط يجثو على ركبتيه أمام قبر ولده ويقول له :« با لحسن، سمح ليا، كاملين غادي نموتوا».
*جواد مكرم
مند مغادرته عام 2020، السجن المركزي بالقنيطرة حيث قضى 21 سنة خلف القضبان، اختار الملاكم السابق محمد بن طازوط، دخول زنزانة سجن إختياري في سطح مبنى مسكن عائلته الشعبي في حي لا بيطا في القنيطرة.
على مدى ثلاثة سنوات ونصف، لم يغادر بن طازوط، سجنه الاحتجاجي، رغم دعوات فك قيده وتحرير سجنه.
في زنزانة بمواصفات زنزانة سجن «سونطرال»، (السجن المركزي)، قضى الرجل تلك الأعوام والشهور بلياليها الطوال ونهاراتها القصار.
كانت كل ما سنحت له الفرصة، بذلك يدعو (با لحسن)، ابنه البار محمد بن طازوط، إلى رفع مظلمته إلى الله، ومغادرة هذا السجن الاختياري، والاندماج في الحياة التي كان يحبها.
با لحسن، الذي لعب دوراً كبيرا في إقناع ابنه على مغادرة سجن سنطرال يوم اكتمال محكوميته، كان يجلس أمام زنزانة بن طازوط، لساعات، في محاولة لإخراجه من هذا القفص.
يذكر أن بن طازوط، كان قد رفض مغادرة أسوار السجن المركزي بعد انتهاء محكوميته، إذ طالب إعادة محاكمته في تهمة القتل التي حوكم من أجلها، أو بقائه في السجن مدى الحياة.
بيد أن دموع الراحل با لحسن وتوسلاته إلى ابنه جعلته يغادر السجن.
لبى بن طازوط، طلب با لحسن، وغادر السجن، لكن ليس إلى العيش في حرية، ولكن إلى مواصلة سجن نفسه في سطح مسكن عائلته. طلبا في اعادة محاكمته.
هي ذات الدموع التي ودع بها با لحسن وهو يستعد إلى لقاء ربه، ابنه، حيث دعاه إلى عيش حياة الحرية، ورفع مظلمته إلى المحكمة الإلهية .
لذلك كان المشهد قبل أيام في مقبرة الرحمة بالقنيطرة، مفعما بالمشاعر وغنياً بالرسائل، وبن طازوط يجثو على ركبتيه أمام قبر ولده ويقول له :« با لحسن، سمح ليا، كاملين غادي نموتوا».
لعل، أقوى تلك الرسائل، جسدها عودة بن طازوط، إلى سجنه الاحتجاجي، بعدما طلب الرجل من والده الصفح عما قاساه من أجله، و كذلك على عدم تحقق أمنية با لحسن في مشاهدة «سي محمد»، يعيش حياة بدون قيود سجن إحتجاجي.
وكان محمد بن طازوط، ملاكم فريق النادي القنيطري والمنتخب الوطني سابقا، قد إعتقل في قضية مقتل الأستاد علال القرشي عام 1998، إذ تمت إدانته بالسجن المؤبد، قبل أن يتحول إلى محدد بموجب عفو ملكي، قضى على إثره 21 سنة سجنا ونصف”.
وغادر بنطازوط، الجمعة 22 فبراير عام 2020، سجن “سونطرال” بالقنيطرة، وسط إحتفال شعبي ومتابعة إعلامية كبيرين، حيث صرح لجريدة LE12.MA، بأنه بريء، وأنه ضحية تهمة ملفقة من طرف الوزير الراحل إدريس البصري، لوقف إحتجاجات أسرة التعليم بعد مقتل الأستاد القرشي”.
وكشف الملاكم السابق محمد بن طازوط، عن اسرار خطيرة حول المتهمين الرئيسيين في قضية اتهامه بقتل الاستاذ علال القرشي عام 1998، قضى بسببها 21 سنة ونصف سنة سجنا.
واتهم بن طازوط، في حوار مع جريدة “لودوز”، كوميسير سابق ووزير قوي سابق.
مؤثر بزاف..
يوم مغادرته السجن، حصر بن طازوط دموع “الحكرة”، و هو يعانق، الناس، كل الناس، قبل أن يستعيد الأنفاس، ويخر ساجدا حمداً لملك الناس في مشهد أذهل من حضر وأبكى من سئل..
وقف الرجل، ينظر الى الآفاق، هناك، حيث لاسيتي، وطريق المهدية، وكورنيش وادي سبو، وكلها أمنكة وفضاءات، كانت له معها ذكريات الشاب، زمن عشقه الأبدي لنادي “كاك بوكس”.
استعجل بنطازوط، مغادرة محيط “حبس سنطرال”، كهارب من سنوات الضياع، وركب سيارة “بارطنير”، منطلقا دون أن يدير وجه الى باب السجن، ليتوجه وسط كوكبة من السيارات نحو “الخبازات”.. القلب التجاري النابض لمدينته القنيطرة..
اخترق موكب أصدقاء بنطازوط، الزنقة 36 ، حيث محل تجاري لوالده، وجيرانه وأصدقاء الصبا..
وقف الرجل، ينظر الى المكان، بنظارات شريط الماضي القريب، متذكرا الشخوص والأمكنة، والناس يتداولون عليه لتقديم واجب التهاني، بينما عين بنطازوط تنظر الى هناك، هناك، حيث الزقاق، المؤدي إلى مقر سكن “ابوه الروحي”، مدرب الأجيال، البطل الأسطوري، في الملاكمة، المرحوم محمد الصويفي..
غادر الموكب، الزنقة 36، وتوجه إلى حي “لابيطا” الشعبي في منطقة الساكنية، مرورا بشارع المسيرة الخضراء، حيث توجد “دار الشباب رحال المسكيني”، الشاهدة على تاريخه الرياضي، في ممارسة الفن النبيل.(العربي الدكالي، منير محروش، عبد الإله الطويل، محمد الحمزاوي، محمد حنكوط، مومن.. واخرون).
وصل الموكب، الى “دار بنطازوط”، هكذا ينعثها الجيران، واستقبل “سي محمد”، بالتمر والحليب، وكذلك بالبكاء والنحيب..
ظل بن طازوط، يستقبل الإعلام والزوار، وهو مقيد”اليدين والقدمين”، من طلوع الشمس، الى مغيبها، ليستأذن الالتحاق بنزانته، التي شيدت فوق سطح منزل أبويه، بنفس مواصفات زنزانته في “حبس سنطرال”..قائلا بحسرة:”خرجت من زنزانة ودخلت أخرى..لن أغادرها حتى يعاد التحقيق في قضيتي و أنال براءتي”.
شاهد التفاصيل بلسان بن طازوط: