في ليلة الوفاء والاعتراف، أنصتّ مثل باقي الحاضرين الشغوفين بتاريخ هذا الوطن وكباره، للأستاذ امبارك بودرقة، وللدكتور الطيب بياض مهندس هذا اللقاء، ولطلبته، وهم يتحدثون عن محمد باهي.
*إعتماد سلام ( صحفية بإذاعة ميدي1)
بثقة جلس مجموعة من الطلبة الباحثين في الماستر والدكتوراه على المنصة بجوار أستاذهم الدكتور الطيب بياض، ليتحدثوا عن تراث وفكر محمد باهي أو محمد باه حرمة، الرمز المغربي الذي مات جسدا لكنه يستمر حيا فكرة وحلما.
قرأوا “رسالة باريس” التي نشرت عبر صفحات جريدة الاتحاد الاشتراكي على امتداد عقد تقريبا، وتولى كل واحدمنهم الغوص في أفكار محمد باهي وعرض وجهات نظره إزاء قضية من القضايا التي كتب عنها وأحاط بها إحاطة الكاتب العارف والصحفي الفاحص، وما أكثرها..
الاتحاد المغاربي القابع في غرفة الانتظار، العشرية السوداء في الجزائر، القضية الفلسطينية، العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، مختلف التطورات في المنطقة العربية وإفريقيا وفرنسا والعالم بأسره، فضلا عن تحفته “اكتشاف باريس“.
هل الطلبة الباحثون في الجامعة المغربية في مستوى الحديث عن هرم مثل باهي؟
تمنيت لو حضر اللقاء كل من يطرح هذا السؤال ليدرك بشكل مباشر الجواب الشافي، ويرى عمق وتمكن هؤلاء الطلبة، وحماس كل واحد منهم خلال مداخلته.
في بعض المداخلات، طرح سؤال آخر.. هل كان باهي صحفيا أم كاتبا أم محللا أم مؤرخا أم شاعرا أم روائيا أم سياسياأم أنثروبولوجيا..؟!.
المؤكد أنه كان كل ذلك وأكثر، وكل ذلك مجتمعا صنع هذه الشخصية المغربية الاستثنائية، فكان الباهي متفردا في كل شيء، حمل القلم بعد حمله البندقية، وانطلق من الصحراء ليجوب العالم.
هو العصامي الذي كان يتغذى على الكتب بتعبير عبد الجبار السحيمي، وتعلم لوحده حتى أصبح موسوعيا لا يضاهيه أحد معرفة وقراءة واطلاعا وفراسة بشهادة الكبار الذين جايلوه وعرفوه عن كثب.
بعد مداخلات الطلبة، كان مسك الختام، جلسة مع الأستاذ امبارك بودرقة، حارس تراث باهي وصديقه طوال ثلاثة عقود، والذي حرص مدفوعا برجاء صديق وفي آخر هو الراحل عبد الرحمان منيف، على التوثيق لأعمال فقيدهما الكبير.
عمل لم تقم به أي مؤسسة رسمية أو مسؤول، جاء على شكل سلسلة بلغت جزءها الثامن الذي صدر حديثا عن منشورات باب الحكمة، الأجزاء الخمسة الأولى منها تضمنت “رسالة باريس“، وهي السلسلة التي حملت عنوان“يموت الحالم ولا يموت حلمه“، فكان الحديث عن محمد باهي بقبعاته المتعددة، وقبل ذلك كله، عن باهي الإنسان.
في ليلة الوفاء والاعتراف، أنصتّ مثل باقي الحاضرين الشغوفين بتاريخ هذا الوطن وكباره، للأستاذ امبارك بودرقة، وللدكتور الطيب بياض مهندس هذا اللقاء، ولطلبته، وهم يتحدثون عن محمد باهي.
يعيدون بعث رسالة باريس، وفي طي ذلك يبعثون رسالة الأمل الذي كان باهي حريصا على زرعه، الأمل في أن التراث الفكري الذي خلفه محفوظ وبين أيد أمينة. وهناك خلف سيحافظ عليه ويستحضره ولو بعد حين، كما استحضره هؤلاء الطلبة في أمسية بهية احتضنها المركز الثقافي إكليل بتطوان بعد ثمان وعشرين سنة من رحيل محمد باهي، وجلهم لم يبلغ بعد عمر الـ28، أي أنهم ولدوا بعد وفاته..
وذلك لعمري أكبر دليل على أن الحلم لم يمت وإن مات الحالم!.
*صور :خالد الوهابي