أسال صعود اليمين المتطرف واندحار أحزاب الوسط واليسار، في انتخابات البرلمان الأوروبي، الكثير من المداد، ففوز الأحزاب المعروفة بنزعتها القومية المطالبة بعودة المهاجرين الى بلدانهم بربع مقاعد البرلمان الأوروبي في الانتخابات الأوروبية، ألقى بظلاله على علاقات الاتحاد مع باقي الدول ومن ضمنها المغرب.
فهذا الاكتساح لأحزاب اليمين (حزب اليمين المتطرف الفرنسي لمارين لوبان فاز ب34% و اليمين المتطرف الايطالي لرئيسة الوزراء ميلوني فاز بـ30% من الأصوات حزب اليمين التطرف الألماني حقق المركز الثاني في الانتخابات بـ15% من الأصوات)، سيكون له تأثير سلبي على المهاجرين وعلى بلدان أصولهم.
وفيما يتعلق بالحالة المغربية، ومستقبل العلاقات بين بلادنا ودول الاتحاد الأوروبي، أكد عبد النبي صبري، الأستاذ الجامعي في العلاقات الدولية والجيوسياسية، جامعة محمد الخامس بالرباط، أن بداية صعود اليمين المتطرف بأوروبا، كانت من إيطاليا، حيث أن الحزب الشعبي اليميني، الذي احتل المركز الأول، هو من يترأس الحكومة الإيطالية، وأن صعود اليمين المتطرف في فرنسا جعل إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، يصاب بالسعار لأنه بين نارين: هل يقوم بحل الجمعية الوطنية للبرلمان الفرنسي؟ أو يستمر ويسلم الحكم إلى اليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة؟.
وأضاف في تصريح لجريدة “ le12.ma ” ، أنه إلى جانب البرود التي تعرفه العلاقات الفرنسية الإيطالية على كافة المستويات، مع ما رافقها من شعارات الأحزاب المتطرفة، التي كانت ترفعها جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، بغية ريادة أوروبا، باستخدام قضايا الهجرة وغيرها، بدغدغة عواطف الأوروبيين عامة، والإيطاليين خاصة، بأمور تتعلق بالاستهلاك الداخلي، لم تستطع إيطاليا أن، تغير من توجهاتها السياسية والاقتصادية الكبرى، لأن “للمعارضة حلاوتها ولتدبير الشأن العام مرارته”.
وقال في هذا الصدد: “ميلوني عندما وصلت إلى سدة الحكم اكتشفت أن التغيير صعب، بسبب الشراكات التي تجمعها ببعض الدول القوية والمستقرة، فتوصلت إلى نتيجة مفادها، بأن الشراكة هي في صالح أوروبا وفي صالح إيطاليا، وبالتالي إذا اتخذت قرارات متسرعة، وربما قد تكون “صبيانية”، سيكتشف الإيطاليون أن هناك فرق بين الشعارات الجوفاء، وبين الواقع العملي”.
وأردف موضحا أن الخلاصة التي يمكن استنتاجها فيما حصل من صعود اليمين المتطرف، هي أن أوروبا مجتمعة لم تستفد ولم تتعلم من دروس الماضي، ولم تتعلم، ولم تستطع أن تغير أساليب الماضي ولم تستطع التعامل بطرق ذكية، بل بنفس الطريقة والأسلوب، وهذا ما أعاد إلى الأذهان وترسخ داخل أوروبا بأن هناك صراع حقيقي بين هذه الأحزاب، وبالتالي يمكن للدول الأوروبية التي لا تملك سياسة دفاعية أن تكون عرضة لكثير من المشاكل والتأثيرات التي ستؤثر عليها الحرب الأوكرانية، والخاسر الأكبر هي أوروبا، التي لا تتوفر لها سياسة خارجية مستقلة عن الغرب، وعن الولايات المتحدة الأمريكية.
وأبرز المصدر ذاته، أنه في فرنسا لاحظنا يعني كيف تفوق حزب التجمع الوطني لمارين لوبان، على حزب الجمهورية إلى الأمام، الذي يقوده ماكرون، وفي ألمانيا، تراجع الائتلاف الحاكم للمرتبة الثانية، وتقدم حزب البديل من أجل ألمانيا. الذي له توجهات متطرفة، وفي إسبانيا، كيف صعد الحزب الشعبي اليميني إلى المركز الأول، فجميع هذه الأحزاب ترفع نفس الشعارات المتعلقة بقضايا الهجرة والمناخ وتخفيف الإجراءات ضد المزارعين الأوروبيين، يضيف صبري.
وشدد على أن تأثير صعود اليمين المتطرف، على المغرب وعلى القضية الوطنية الصحراء، وتراجع الأحزاب اليسارية الداعمة للبوليساريو، سينعكس وسيؤثر على الجزائر الداعم الأكبر للجبهة الانفصالية، مبرزا أن ما جرى في انتخابات رئاسة البرلمان الأوروبي على المستوى الفرنسي، سيؤثر بشكل أساسي على العلاقات الجزائرية الفرنسية، وسيكون ذلك في صالح القضية الوطنية الأولى.
وفي السياق ذاته توقف صبري عند ورقة المهاجرين، مذكرا أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي البيئي، أكد قبل سنتين في تقرير، على أن هناك أكثر من أربع ملايين ونصف مهاجر مغربي في أوروبا، مما يعني أن العلاقة التي تربط المغرب مع الاتحاد الأوروبي متعددة الأطراف، ناهيك عن العلاقات الثنائية التي تربط المغرب مع دول الاتحاد الأوروبي، وتؤطرها معاهدات دولية واتفاقيات ثنائية ومواثيق مؤسسة على هذه العلاقات,
وشدد على أن هذه الضوابط المؤطرة للعلاقات الثنائية، تدعم العلاقات الثنائية أو المتعثرة بين الدول، وذلك بدعوتها للابتعاد عن ثلاث مسائل أساسية من وجهة النظرية الليبرالية التي تعتمدها أغلب الدول الأوروبية، وهي الابتعاد عن المساومة والابتزاز، واحترام استقلالية قرارات الدول.
في هذا الإطار، قال المحلل السياسي، إنه “من الصعب جدا أن يكون هناك تأثير على المغرب، بالنظر للشراكة التي تربط دول الاتحاد الأوروبي مع دول ضفة جنوب المتوسط، ومنها المملكة المغربية، والتي تحظى بالشريك المتقدم، ناهيك عن كونه بلد مستقر في محيط مضطرب، وبوابة إفريقيا، وبالتالي فهو عصي على أية دولة أوروبية أو أي حزب.
وأردف موضحا فداخل الاتحاد الأوروبي وحتى داخل فرنسا هناك شبه إجماع على أن الحياة لم تعد مغرية بفرنسا، فالفرنسيون أنفسهم، أصبحوا يهاجرون نحو بريطانيا، ودول الخليج، لأن منسوب الحقوق والحريات التي كانت معروفة بفرنسا تراجعت بشكل مؤثر، إن لم نقل بشكل مؤسف.
على مستوى المغرب، أفاد صبري، أنه يتميز بحكمة اقتصادية وسياسية وعرف كيف يتعايش مع أي واقع جديد، مشيرا إلى أن حكومات فرنسا وألمانيا وإسبانيا في الماضي، أدركت بعد أزمتها مع المغرب أنها اتجهت نحو الطريق الخطأ والسلوك الغير مقبول، وبالتالي كان اختيار المملكة المغربية، هو تعزيز البناء الداخلي، عن طريق تعزيز الديمقراطية والحقوق والحريات وثقافة المؤسسات، لأنه السبيل الوحيد إلى تحصين مناعة الداخل، ومساعدة الدولة في اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه الدول التي قد تأتي بقرارات تؤثر على مواطنيه.
على المستوى الدبلوماسي، فالقانون الدولي واضح، والأوروبيون لم يتعلموا من دروس الماضي، في حين أن المغرب تعلم من دروس الماضي، فهم لم يغيروا الطريقة والأسلوب، الأمر الذي ساهم في صعود نجم الأحزاب المتطرفة بهذه الطريقة المثيرة.
مسألة أخرى، أوردها صبري في تصريحه وهي أن أوروبا تحتاج إلى الشراكة مع الدول الأوروبية، ومع إفريقيا ومع دول جنوب المتوسط، التي أغلبها دول أفريقية، لأنها تصب في صالح أوروبا بشكل عام.
وخلص أستاذ العلاقات الدولية إلى أن “من يعتقد أنه بجرة قلم أو بزلة لسان، ستتأثر دول مستقرة وصلبة وعصية كالمغرب، شأن بعض الدول التابعة والخاضعة والخانعة، وتسيرها دول أخرى، ويتحكم فيها النظام العسكري، واهم لأن المغرب قوي بمؤسساته وتلاحم الشعب والملك.