من المسلم به أن النزول الإلهي يكون في الثلث الأخير من الليل، إلا أنه في يوم عرفة فإن الله سبحانه ينزل للسماء الدنيا في النهار.
كان السلف يدخِرون حاجاتهم لدعاء يوم عرفة
فكم من الحاجات والأمنيات والدعوات أُستجيبت عشيّة عرفة..
في رمضان تغيب عنّا ليلة آلقدر فلآ نعرف متى هي
وَفي ذي آلحجة يُخبرنا اللّه بيوم عرفة وَ مع ذلك هل سنقصر
لذلك، إن استطعت أن تخلو بنفسك عشية يوم عرفة فافعل.. و”العشية من بعد صلاة العصر إلى أذان المغرب“.
يقول أحد الصالحين والله ما دعوت دعوة يوم عرفة وما دار عليها الحول إلا رأيتها مثل فلق الصبح..
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وما مِن يومٍ أفضلُ عندَ اللهِ مِن يومِ عرفةَ ينزِلُ اللهُ إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيُباهي بأهلِ الأرضِ أهلَ السَّماءِ فيقولُ: انظُروا إلى عبادي شُعْثًا غُبْرًا ضاحِينَ جاؤوا مِن كلِّ فجٍّ عميقٍ يرجون رحمتي، ولم يرَوْا عذابي فلم يُرَ يومٌ أكثرُ عِتْقًا مِن النَّارِ مِن يومِ عرفةَ”.
تفاصيل أخرى حول عظمة وجلالة نزول الله تعالى إلى سماء الدنيا في يوم عرفة في مقالة للدكتور أحمد ابن عبد العزيز الحداد كبير المفتين ومدير إدارة الإفتاء في دبي، سبق أن نشرته جريدة الإمارات اليوم.
والبداية من هناك .
يومُ عرفة يومُ التجلِّي الإلهي على عباده
نعيش هذا اليوم المبارك الذي هو أفضل الأيام كما صح في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: “ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله إلى السماء، – نزول تجلٍ ورحمة – فيقول: انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحِّين، جاءوا من كل فج عميق، ولم يروا رحمتي ولا عذابي، فلم يُر أكثرَ عتيقا من النار من يوم عرفة”
هذا اليوم الذي يتجلى فيه الله تعالى على عباده بمغفرته ورحمته وواسع فضله.
هذا اليوم الذي أكمل الله تعالى فيه الدين، وأتم فيه النعمة، وفيه أنزل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾، ففيه عَظُمت مِنَّةُ الله تعالى على عبده ورسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعلى أمته من بعده، والذي غبطتنا عليه يهود وقالت: «لو علينا معشر يهود، نزلت هذه الآية، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا»، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «فقد علمت اليوم الذي أنزلت فيه، والساعة، وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت، نزلت ليلة جَمعٍ، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات».
اليوم الذي خطب فيه النبي
هذا اليوم الذي خطب فيه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، خطبته العظيمة التي وضع فيها قواعد وأسس العدالة الاجتماعية في الأموال والدماء والحقوق الأسرية، وعظَّم فيه الحرمات، فكان مما قاله فيها: “فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟”.
هذا اليوم الذي يباهي الله تعالى بحجاج بيته الحرام ملائكته الكرام – أي يفاخر بهم – وهم الذين لا يعصون الله تعالى ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون- «فيقول: ما أراد هؤلاء؟!» وهو أعلم بهم، ولكن لإظهار مكانتهم من التضرع والعبودية له سبحانه وتعالى.
هذا اليوم الذي يشمل الله تعالى فضله فيه جميع عباده، مَن حج منهم فبذلك التجلِّي العظيم، وبالمغفرة العامة وبالعتق من النيران، ومن لم يحج فبمشاركته الحجاج بالتبتل إلى الله تعالى بذكره وشكره، كما صح عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له»، فالمسلمون كلهم يلهجون بذكر الله والدعاء له، فيشتركون بالفضل مع حجاج بيته الحرام، لا سيما وقد حجَّت قلوبهم ونياتهم، حيث لم يستطع مريدو الحج هذا العام أن يحققوا أمانيهم بسبب هذا الوباء العارم، إلا بنياتهم، فلن يحرمهم الله أجر الحج وفضله، كما صح في الحديث «نية المؤمن خير من عمله»، وصح «إن بالمدينة أقواماً، ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر».
الدعاء يرد البلاء
وما أجمل أن يكون دعاؤنا معاشر المسلمين في هذا اليوم بأن يرفع الله هذا البلاء الذي عمَّ وطمَّ، ومازال يمخر في الآفاق، ويفترس من وجده بغير إشفاق، فلا يرفعه إلا الذي خلقه وقدَّره، فإن الدعاء يرد البلاء، لاسيما إذا كان في وقت إجابة كهذا اليوم، فلنجعله يوم عبادة ورجاء، ويوم استغاثة من البلاء، فقد أعجز الأطباء، وبعُد الدواء، مع كثرة المحاولات، وقلة الحِيلات.
ويشاركونهم في نيل الأجر العظيم بصيام هذا اليوم الكبير الكريم الذي يكفر السنة الماضية والباقية، كما صح في الحديث «وصيام يوم عرفة فإني لأحسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده»، فلنصمه صيام الصالحين، وندعوه دعاء المبتهلين، فدعاء الصائمين مستجاب، ودعاء المتبتلين لا يخاب.
نعيش هذا اليوم بكل تفاؤل بأن الله تعالى سيقبلنا بفضله، ويرحمنا برحمته التي وسعت كل شيء، فنحن الذين نؤمن به وحده لا شريك له، ونعبده مخلصين له الدين، وندعوه تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول، فيرضيه ذلك منا، لأن هذا هو الحال الذي يقتضيه استخلافه لنا في هذه البسيطة.
فنحمد الله تعالى على نعمة العبودية وتفضل الربوبية.
تقبل الله من الجميع وأعاد هذا الفضل الرفيع على الجميع.