يتميز عيد الأضحى ببوادي وقرى منطقة صنهاجة الساحل بالريف بعادات وتقاليد أصيلة، حيث تمر لحظاته وسط أجواء خاصة، سواء بالأسواق الأسبوعية أو بالمنازل، فأهل المنطقة يحرصون على إحياء مجموعة من طقوس الأجداد، التي ظلت عنوانا لهم محاولين الحفاظ عليها واستعادة تفاصيلها لما تحمله من فرحة حقيقية توقظ الذكريات.
فقبل حلول العيد بأسابيع، تبدأ الاستعدادات باختيار الأضحية المناسبة، وعادة ما تكون من الجديان، بينما تحرص العائلات الكبيرة على اقتناء العجول.
ويولي أهل المنطقة مكانة واهتماما لشراء الأضحية، حيث يتوافد الرجال على السوق جماعة لفحص الأضحية والتأكد من استيفائها للشروط المعروفة، قبل مناقشة السعر مع البائع.
كما يحرص الرجال على تحضير مستلزمات عملية الذبح، لاسيما شحذ السكاكين واقتناء كل ما يلزم لإتمام العملية. إذ يشكل العيد مناسبة لانتعاش بعض المهن الموسمية بالأسواق الأسبوعية، لاسيما بيع الفحم الذي يحضر تقليديا عبر تقنية “الكوشة” أشهرا قبل العيد، ثم مستلزمات الذبح والأواني الفخارية واواني الشواء وأعلاف الأضاحي والتوابل وغيرها.
إذا كان تدبير أضحية العيد شأن الذكور، فإن تحضير الدور شأن للنساء.
ويقول لوكالة المغرب العربي للأنباء الباحث الأكاديمي وابن منطقة بني جميل القروية، مروان الداهية، أن النساء يحرصن على ترتيب وتنظيف أركان المنزل وتجديد طلائه ليكون في أبهى صورة لاستقبال الضيوف خلال أيام “العيد الكبير”، مشيرا إلى أن أشغال التزيين تشمل أيضا الطرقات والأزقة.
وأضاف الباحث أن من بين التحضيرات الأخرى التي تحرص النساء على القيام بها “تنقية وطحن القمح”، وغالبا ما تتم هذه المهمة جماعة بين نساء العائلة، وتتوج باستعمال الحناء تعبيرا عن قدوم العيد الكبير.
ويبرز الباحث أنه يتم أيضا شراء ملابس جديدة للأطفال الصغار لتكتمل فرحتهم بالعيد، ويصاحب لبس جديد الملابس وضع في أيادي وأرجل الصغار، لاسيما الفتيات، كما تضع العائلة التي يوجد أحد أفرادها بالحج علما أبيضا على سطح المنزل.
ويشكل العيد مناسبة لتجمع العائلة، حيث تشهد المنطقة توافد مجموعة من أبنائها، سواء من المقيمين بمدن بعيدة أو من المغتربين في الخارج، لقضاء العيد بمسقط الرأس، وهو أمر لا محيد عنه في عيد الأضحى الذي يعد مناسبة كبرى لتجمع العائلات أينما كانت.
من جانبه، يقول الباحث في السوسيولوجيا، أشرف أمهاوش، عن يوم العيد أنه عندما يتسلل ضوء الفجر يستيقظ النساء لتحضير خبز الشعير بفرن تقليدي يسمى محليا “أينور” وأيضا إعداد “التريد” أو الرغائف على الكانون كوجبة للفطور، بينما يحضر الرجال لصلاة العيد بالاستحمام وارتداء أجمل الملابس والتعطر، حيث يصحبهم الصغار بملابسهم الجديدة إلى المصليات، ثم يتبادل الجميع التهاني والتبريكات.
وأشار الباحث إلى أنه كانت العادة الغالبة أن سكان المنطقة يفطرون بكبد الأضحية، فإن عادة مجموعة أخرى من الناس الإفطار بالمصلى، والذي يغادرونه على وقع ترديد أمداح وأناشيد إلى غاية الوصول إلى المدشر.
أما طقوس الذبيحة، فيتم وضع الحناء على جبهة الأضحية قبل ذبحها، ويقوم الأكبر سنا من الأسرة أو العائلة بنحر الأضحية، أو الشخص الذي يكون ملتزما بالصلاة والعبادة، وتتحلق العائلة جميعها على الذبيحة في طقس احتفالي بهيج ومتضامن.
إن كانت الظروف المناخية مواتية، يتم ثاني أيام العيد تقطيع الأضحية إلى أجزاء، ثم تشرع النساء في فرزها وتحضير اللحم المجفف “القديد”، حيث يقطع اللحم إلى شرائح متوسطة يضاف إليها الملح وبعض التوابل والزيت لتعرض تحت أشعة الشمس لتجفف بهدف إعدادها في بعض الأطباق خاصة الكسكس، وأيضا يتم تحضير “الكرادل” أو “الكرداس” من طرف الجدات والأمهات.
وإن كانت مجموعة من العادات آخذة في التراجع، فإن الثابت هو حرص جل البيوت على ترك الأبواب مفتوحة خلال أيام العيد والذي يعتبر من حسن استقبال الضيوف والترحيب بهم، وهي دلالة على التلاحم الاجتماعي الذي ما زال صامدا في منطقة صنهاجة.