عبد الرزاق بوتمزار
ح. 80
فعَلَى الثقافةِ السّلامْ!
كانت الأمورُ في “الدّار” تسيرُ سيراً بدَا لي معه منذ الأيام الأولى أنّ هناك، فعلاً، أمراً ما على غيرِ ما يُرام في هذا البلد، السّعيد إلى درجة أنّ بإمكان أيٍّ كان أنْ يصنعَ لنفسه هذه السّعادةَ على أنقاض سعادة غيره؛ بقدرته الغريبة على “التّسنطيح” والتخلي عن آخرِ ذرّات اللباقة والاحترام اللازمَين للآخرين، وإنْ كان هؤلاء الآخرون يفوقونه عِلماً وأدباً وإنسانية..
صدَمني واقعُ الثقافة، المجنيِ عليها على أيدي أشخاص آخرُ حرفة يمكن أن تُلائمهم هي صناعة الثقافة! كان السّيد المُدير نوعا من البشر يصعُب تصنيفُه أو وصْفُه. صارماً في تعامُله مع مُستخدَميه صرامةً تبعث على الحيرة. مريضاً بنوعٍ من العظمة المنخورة، المغشوشة، التي كان يبذل قصارى جهده لإخفاء خلفيتها الحقيقية عبرَ صُراخه وأوامره، التي لا تنقطع، وتقريعاته وتأنيباته المرَضية لكلّ المُحيطين به، بلا استثناء وبلا داعٍ في معظم الأحيان.
آلمَني أنْ أكتشفَ، أنا الحالمُ دوماً، المأخوذ بالعوالم الجميلة للرّوايات والقصص الخيالية التي بَرع في صياغتها أدباءُ رائعُون رافقوني في مُختلف مراحل العمر وصنعوا لي عالما مُوازياً يدنو من عالَم المُثل، أنّ العالمَ الحقيقيّ ليس بكل النقاء الذي ترسّخَ في ذهني.. آلمَني ما آل إليه حالي وقد رمتْ بي أقداري إلى تلك البناية الكئيبة وسط عمارة سكنية ارتأى صاحبُها أن يتّخذها مكانا يضحك فيه على ذقون كثير من المُبدعين والكُتاب والأساتذة ممّن صنعوا عالَمي الجميلَ يوماً، وربّما عوالمَ هؤلاء الطيّبين المغلوبين على أمورهم، مثلي، الذين يشتغلون معه.
يسرق تعبَ الأدباء والمُفكّرين وسهرَهم الليالي في سبيل إبداع مخطوطاتٍ يكون من سوء طالَعهم أن ينتهيّ بهم مشوار البحث عن ناشر لها بين يديْ شخص كلّ همّه كم سيربح من وراء مَن يقصدونه من المُصابين بلعنة الإبداع والخلق. قد يلجأ إلى جميع الحِيل والمقالبَ كي يسطو على مجهودات الكُتّاب في مغرب غير قارئ. أساتذةٌ أجلاءُ كنتُ أعرفهم فقط من خلال ما يكتبون من نصوص مُبدعة أو كتب ومَراجعَ استأنستُ بها خلال مساري الدّراسي، تعرّفتُهم مُباشرة في تلك الدّار، وإن كنتُ أتمنى لو كان لقائي بهم في أيّ مكانٍ آخرَ غير دار النّشر تلك، وفي حضرة مُديرها على الخصوص!
حتى وأنا مُجرَّد مُتدرّب، لم يأْلُ المُدير جهداً في استغلال فترة وُجودي في مؤسسته لكي “يحرُث عليّ” ويستثمرَ في مُروري الاضطراري في داره.
إذا قيل لك إنّ في البلاد مَن يستغفلُ كُتّابا ومُبدعين رغم أنه ممّن لا يعرفون حتى كيف يُشغّلون جهازَ “كمبيوتر” أو يطفئونه فقُل مَن يدري، كأضعف الإيمان؛ كلّ شيء في هذه البلاد مُمكن، ولو كان من قبيل المُحال!
