رئاسة التحرير 

اختتم مجلس النواب، أمس الجمعة، دورته الربيعية بإعلان رئيسه الحبيب المالكي حصادها التشريعي، واصفا ما تحقق بـ”المنجز النوعي”.. لكنْ هل كان كل ما أنجز خلال الدورة الربيعية “نوعيا” حقا؟ بطبيعة الحال، لا، ولعل هناك أكثر من عنوان دالّ على ذلك.

دعونا نتحدث بدايةً عن مدى احترام مجلس المالكي، في علاقته بالغرفة الثانية للبرلمان، للدستور قبل القانون، حتى لا أقول الخطب الملكية، وهو يدبر مسطرة التشريع ذات الصلة بمشروعي القانون -الإطار الخاص بمنظومة التربية والتكوين، وآخر يهم إحداث القناة البرلمانية..

فترجمة لما سمي ب”أزمة التنسيق الصامتة”، بين غرفتي البرلمان، سيلجأ الاتحادي المالكي، إلى الإحالة المتسرعة لمشروع القانون -الإطار الخاص بمنظومة التربية والتكوين، أي عشية اختتام الدورة الربيعية، على مجلس المستشارين، ما جعل هذا الأخير بين مطرقة المصادقة على المشروع كما أحيل، وفي ذلك تغوّلٌ على صلاحيته في التشريع، وبين سندان الاتهام بتعطيل مسار تشريع مشروع قانون على قدر كبير من الأهمية والحساسية، إن اختار مجلس حكيم بنشماش تأجيل النظر فيه إلى دورة أكتوبر.

قد يقول قائلٌ إننا جانبا الصواب في التحليل والتقدير وإن مجلس النواب لم يقم، والحالة هذه، سوى بسلك مسطرة لا اجتهاد معها بوجود القوانين المؤطرة لها. نقول لندع هذا “المنجز النوعي”، الذي حققه التدبير التشريعي المتبصر للسي الحبيب جانبا، ونمر إلى الحديث عن عنوان آخر من عناوين الجفاء الحاصل بين رئاسة النواب ورئاسة المستشارين.

لكنْ قبل ذلك، دعونا نذكّر من يحتاجون إلى تذكير بأن ملك البلاد ما فتئ يدعو، في جل خطبه بمناسبة افتتاح البرلمان، إلى التنسيق والتناغم بين المجلسين وبتنصيص دستور المملكة على ذلك بنص واضح، بل وحثَّ المحكمة الدستورية، في أحد قراراتها، على ضرورة التنسيق بين مجلسي البرلمان في مختلف القضايا البرلمانية المشتركة.

لعل الكل تابع، أمس الجمعة، مصادقة مجلس النواب، في جلسة عمومية، على مقترح قانون يهم إحداث القناة البرلمانية، بعدما استنفد المقترح جميع مساطر التشريع.. كل شيء إلى حدود هذه النقطة عادي ومن حق مجلس السي الحبيب أن يفخر به، لكنّ ما لا يبعث على الفخر حقا هو تعسف مجلس النواب في استعمال حق طابع الأسبقية في التشريع، التي منحها له الدستور، ليواصل محاولة النظر إلى الغرفة الثاني، كما لو أنها “ملحقة إدارية” أو “غرفة تسجيل”، لا غرفة تشريع.

وهنا نسائل السي الحبيب، ومن لن يروقهم اتهام تدبيره بالوقوف وراء الجفاء بين رئاستي النواب والمستشارين: هل استشرتم الغرفة الثانية بمناسبة إعدادكم ومصادقة مجلسكم على مقترح قانون يهم إحداث القناة البرلمانية؟ وما خلفيات تفرد مجلسكم بصياغة نصوص مقترح هذا القانون؟ وما مصير لجنة للتنسيق بين المجلسين منصوص عليها في النظامين الداخليين للمجلسين؟.. وهل استشرتم وزارة الإتصال؟..

في انتظار التفضل بجوابكم، السي الحبيب، دعونا نعرّج على “منجرا من منجزاتكم النوعية”، الأمر يتعلق بمقترحات مجلسكم الموقر للعضوية في المؤسسات الاستشارية، خاصة التعيينات الأخيرة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

بالاطلاع على الأسماء المقترحة من مجلسكم الموقر، لا يسع أكثرَ المعجبين بمنجزاتكم “النوعية” سوى الإقرار، ولو في قرارة أنفسهم، بمستوى القراءة السطيحة لرئيس الغرفة الأولى في البرلمان للنصوص المؤطرة لاقتراحات محكومة بهاجس الترضيات، ضابطة توازنات الامتيازات..

لاشك أن أصحاب الحل والعقد في مجلس الحبيب المالكي، حاولوا لذر الرماد في العيون، شرعنة الاختلالات في اقتراح تلك الأسماء بكل “التخريجات”، لكنهم سقطوا في فخ التأويل غير قانوني لنص قرار المحكمة الدستورية رقم 65.17 بتاريخ 30 أكتوبر 2017، الذي أكد أن الاقتراحات يجب أن تسبقها استشارة أعضاء مكتب مجلس النواب ورؤساء الفرق والمجموعات النيابية. وبالتالي فالنص واضح، يشير إلى “استشارة” وليس فرض أسماء بعينها تحت يافطة المحاصصة الحزبية، التي لا تعتمد مبدأ الكفاءة وتغرق في بحر الترضيات الحزبية.

وبالعودة إلى المادة الـ347 من النظام الداخلي لمجلس النواب، فهي تؤكد أن هذه التعيينات يجب أن تراعي مبادئ التمثيلية والتناوب والتنوع والتخصص والتعددية، وهذا ما لم تتميز به اقترحات التعيين المقدمة من الحبيب المالكي، ومنها حالة بعض الأسماء الأخيرة في مجلس حقوق الإنسان، التي تضرب عرض الحائط قيمَ التخصص.

لذلك فقد كان حريا بالسي الحبيب المالكي، احترامُ الدستور وجعل التعيينات تتم داخل المؤسسات على أساس الكفاءة والخبرة وأن يتم التعامل معها بشفافية وعدالة، بدل تدبيرها وفق توليفة مشوهة لم ينبنِ أغلبها على مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب..

كنّا نتوقع أن تكون المقترحات إشارة قوية على تغيير وتقديم نُخب ذات كفاءة ومصداقية في المؤسسات الاستشارية، لمجاراة تطلعنا لبلوغ دولة المواطنة، غير أن الحبيب المالكي، يريد أن يحافظ على ائتلافه، وإن كان على حساب باقي المؤسسات..

الأكيد ان كل هذا، طبعا، لم يعمل سوى على تقوية الانطباع بكون الحبيب المالكي انخرط في تخريجات واختيارات وحسابات.أضرّت بمصداقية المؤسسة التشريعية، بصفة عامة، وبمؤسسة مجلس النواب، التي هي تعبير مباشر عن الإرادة الشعبية.. وتريدها أعلى سلطة في البلاد، في علاقتها بالغرفة الثانية، تعبيرا مرجعيا عن تجربة ثنائية برلمانية يراهَن على تدبيرها بعقلية رجل الدولة في المساهمة في بناء مؤسسات الدولة، لا بل وتكريس الاختيار الديمقراطي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *