انشغل المحللون السياسيون والمتتبعون للشأن السياسي الوطني منذ أسابيع بالتعديل الحكومي، وتحدثت تقارير إعلامية عن تعديل وشيك، حتى قبل أن تصل الحكومة إلى منتصف ولايتها، وكان ضمنهم من “تنبأ “بالتعديل الحكومي خلال المجلس الوزاري الأخير، والذي ترأسه الملك محمد السادس بالدار البيضاء في فاتح يونيو الجاري، لكن يبدو أن موعد هذا التعديل الحكومي قد “تأجل”.
جمال الدين المغربي
هناك انطباع عام لدى العديد من الملاحظين، فرغم أن التعديل الحكومي أصبح واردا وحتميا، إلا أنه لا يكتسي صبغة استعجالية كما كان الحال بالنسبة للحكومات السابقة، وذلك لسبب وحيد هو أن التعديل الحكومي، هذه المرة، سيتم في إطار المكونات الحزبية للتحالف القائم، ولن يتم اللجوء إلى حزب آخر من خارجه، وهو ما يفسر أساسا انتفاء الضغظ ” السيكولوجي” والزمني على إجراء التعديل..
لقد أصبحت الظروف مواتية لتعديل حكومي من شأنه أن يضخ دماء جديدة في الحكومة، ويمنح لها نفسا جديدا لرفع وتيرة عملها وضمان فعالية أكثر في الأداء، خلال النصف المتبقي من ولايتها، وهي مرحلة حساسة لأنها سترهن مستقبلها واستمراريتها إلى غاية الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، وبالتالي يتعين على الحكومة أن تثبت جدارتها وتعزز حصيلتها أمام الناخبين والمواطنين عموما… وهو ما يفسر حتمية إجراء التعديل الحكومي بغرض التسلح بزاد جديد لتعزيز الحصيلة الحكومية، ومواجهة التحديات المرتقبة بعزم وإصرار على الرفع من الأداء الحكومي، من خلال تصحيح بعض الأعطاب داخل الجهاز الحكومي، ومعالجة بعض الإشكاليات المرتبطة ببطء، بل بضعف أداء بعض القطاعات.
لقد أصبحت لدى رئيس الحكومة رؤية واضحة حول القطاعات التي ينبغي أن يشملها التعديل، إذ أفرزت التجربة الحكومية للنصف الأول من ولايتها عن سرعتين مختلفتين، ثمة قطاعات تسير بسرعة كبيرة، وأخرى تتأخر في مجاراتها واللحاق بها..
لقد أصبحت الظروف مهيأة لهذا التعديل الذي طال انتظاره، فقد قدمت الحكومة الحصيلة المرحلية لعملها، وهي حصيلة دافع عنها رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمام البرلمان، مستعرضا السياق الموضوعي الصعب الذي جاءت فيه حكومته، حيث جرى تنصيبها في أوج التداعيات المدمرة لجائحة كوفيد 19، واستمرار فترات الجفاف، واستحكام التضخم ..، إلا أنها نجحت في تخطي هذا السياق الصعب، من خلال تبني العديد من الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية، التي خففت من الأضرار التي خلفتها الأزمة الصحية العالمية والتضخم..
من جهة أخرى، فقد أصبح التعديل الحكومي وشيكا، بعدما تمكن حزبا الأصالة والمعاصرة والاستقلال، الحليفين في الحكومة، من عقد مؤتمرهما، وإعادة ترتيب بيتهما الداخلي، وهي محطتان أساسيتان منحتا شرعية جديدة لقيادة حزب الاستقلال، وأفرزت قيادة ثلاثية جديدة بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة.
لأول مرة ربما، لن يفرض التعديل الحكومة المرتقب الاستعانة بخدمات حزب جديد، كما حدث في حكومات سابقة، لاعتبار أساسي وهي أن الحكومة الحالية تتمتع بأغلبية مريحة، كما تجمع الأحزاب الثلاثة المشكلة لها مرجعيات متقاربة، مما مكنها من الاشتغال عموما في انسجام تام، ولم تعصف بها الخلافات في الروئ والتوجهات.
نحن، إذن، على عتبة تعديل حكومي وشيك، بعد أن تحققت مجموعة من الشروط الموضوعية، ولاشك أن الإقدام على تجديد الدماء في الحكومة سيتم بعد عطلة عيد الأضحى، بأيام أو ببضعة أسابيع، لأن الأمر لم يعد يحتمل المزيد من التأخير في مراجعة بنية الحكومة، في ظل وجود قطاعات حكومية تعترضها إشكاليات في الأداء، وهو ما يستوجب معالجتها لتحقيق التوزان الحكومي على مستوى الوتيرة والفعالية.
إن فرض التغيير على رأس قطاعات محددة سيتم بناء على تقارير صادرة ، بما فيها تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمندوبية السامية للتخطيط، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وجميعها لمحت إلى أن اللجوء للتعديل الحكومي، خيار حتمي ليس فقط لاحترام العرف السياسي، بل كذلك لتصحيح بعض الأعطاب داخل بعض القطاعات التي لم تجار السرعة التي ينشدها رئيس الحكومة، لا على مستوى المبادرات والقرارات والمشاريع، ولا على مستوى الوتيرة، مما يعني أن التعديل الحكومي المرتقب سيعصف ببعض الوزراء الذين فشلوا في ترجمة تطلعات الحكومة ورئيسها وتنزيلها على أرض الواقع، إلى جانب تعيين كتّاب الدولة الذين خلت الحكومة منهم خلال تشكيل الحكومة في أكتوبر 2021.
إن أهمية تعيين كتّاب الدولة تكمن في إسناد عدد من القطاعات الوزارية وتخفيف الضغط عليها عبر استقطاب كفاءات جديدة يمكنها أن تعزز أداء الحكومة وتتدارك الضعف المسجل، خلال ما تبقى من عمر الولاية الحكومية، لا بل إن ورقة كتاب الدولة، ان جرى اعتمادها فلا شك أنها ستضاعف من سرعة أداء الحكومة خلال الأمتار النهائية من عمرها، من خلال تنفيذ التزاماتها في بعض القطاعات.
ولأول مرة ربما، لن يفرض التعديل الحكومي المرتقب الاستعانة بخدمات حزب جديد، كما حدث في حكومات سابقة، لاعتبار أساسي وهو أن الحكومة الحالية تتمتع بأغلبية مريحة،كما تجمع الأحزاب الثلاثة المشكلة لها مرجعيات متقاربة، بحيث تشتغل عموما في انسجام، ولم تعصف بها الخلافات في الروئ والتوجهات.