قبل ثماني سنوات من اليوم، الذي رحل فيه عنا قيدوم الإذاعيين السي عبد الصادق بنعيسى، وبالضبط في نوفمبر من عام 2016، ستجري معه الصحفية المتدربة وقتها شهرزاد أمسكان، هذا الحوار الذي نشرته الزميلة الأحداث المغربية، ونعيد في جريدة le12.ma، نشره تكريما لروح فقيد الصحافة المغربية.
طنجة – خاص – شهرزاد أمسكان
هو معد برامج إذاعية ووثائقية، ورئيس تحرير في إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدوليى “ميدي1″، التحق بها عام 1981 عن سن يناهز عشرين سنة. شتهر ببرنامجه “ملفات بوليسية” الذي لقي تفاعلا كبيرا مع الجمهور في المغرب وعلى المستوى العربي، ثم تناسلت بعد ذلك برامجه القصصية، وجاء برنامجه “هاربون” فيما بعد، لِيَليه برنامج “مهمشون”.
الإعلامي عبد الصادق بنعيسى يتحدث في الحوار التالي لـ”أحداث. أنفو” عن تجربته الإذاعية وعن أسرار نجاح برامجه القصصية:
ـ اسم عبد الصادق بنعيسى مرتبط في أذهان المستمعين بصوت جذاب وإلقاء جيد. كيف اكتسبت هذه المهارات؟
+ تجربتي الإذاعية كلها اكتسبتها في مؤسسة “ميدي1 راديو”، وهي إذاعة فريدة من نوعها سواء على مستوى المغرب أو على مستوى العالم العربي، وعندما انطلقت في بث برامجها سنة 1980، لم تكن في العالم العربي حينها، من المحيط إلى الخليج، إذاعة حرة، كما كان يطلق على هذا النوع من الإذاعات، وقد استهوى هذا المشروع الإعلامي الكثير من الشباب الذين التحقوا بالإذاعة في تلك الفترة، منهم من غادرنا إلى دار البقاء، ومنهم من انتقل إلى مؤسسات أخرى. فحينما يبدأ المرء مشواره المهني في مؤسسة في طور البناء والتأسيس، غالبا ما تنشأ بينه وبين تلك المؤسسة علاقة حميمة تجعله يحس بأنها جزء منه، لا يمكنه الاستغناء عنه، إلا إذا كانت هناك ظروف قاهرة، وقد تعلمت فيها الكثير من الأمور الأساسية في المجال الإذاعي، وأظن أنني ساهمت بنصيب متواضع في تأسيس قسم التحرير العربي داخلها، وأفتخر بذلك.
ـ الاستماع إلى البرامج القصصية التي تقدمها، كثيرا ما يعطي انطباعا للمستمع بأنه يشاهد القصة ولا يستمع إليها فقط. ما السر في ذلك؟
+ هو أسلوب في الكتابة. وتجربتي في الإذاعة علمتني أن أكتب بلغة يفهمها المتعلم ذو المستوى الرفيع، والمتلقي ذو المستوى المتوسط، وحتى الذين لم يكن لهم حظ من التعليم. فأنا أحاول جهد ما أمكن أن أكتب بأسلوب قريب إلى كل هؤلاء، هو أسلوب وسط، ربما من بين أهم السمات البارزة فيه هو الجانب التصويري. يعني أن فيه وصفا، وأحاول أن أكون فيه دقيقا ما أمكن، أو على الأقل أن يستفز مخيال المتلقي لكي يتصور المشهد، دون أن أقدم التفاصيل كاملة.
ـ هل أنت من اقترح هذا النوع من البرامج أم القناة؟
+ برنامج “ملفات بوليسية” كان من اقتراح المؤسسة. هي التي قدمت لي الأستاذ عبد اللطيف بوحموش، الذي جاء بمذكرات تتضمن قضايا سبق له أن تعاطى معها، وكان شاهدا عليها. فقد كانت المؤسسة تبحث عن من يشتغل على هذا النوع من البرامج، فاشتغلت على تلك المذكرات، وكان الجميع مرتاحا لما قدمته خلال موسمين، وبعدها قررت التوقف. ثم طُلب مني أن أعد برنامجا يُبقي على حضوري في هذا الجانب من البرامج القصصية، التي تتميز بخصوصية القرب، فاقترحت برنامج “هاربون”، وهو على عكس “ملفات بوليسية” الذي يتناول قضايا تعاملت معها الشرطة المغربية، والتي كانت تتطلب تركيزا كبيرا على الجانب القانوني وما يُقرره القضاء.. أما برنامج “هاربون” فهو ركّز على حالات الهروب، وهي كثيرة، قد تكون مرتبطة بالهروب من السجن أو من واقع معين، كما يمكن أن تتعلق بهروب الشخص من نفسه بشكل من الأشكال. وبعد ذلك جاء برنامج “مهمشون” الذي أشتغل عليه الآن ويُبث في “ميدي 1 راديو”.
ـ “ملفات بوليسية”، “هاربون”، “مهمشون”. ماذا يريد الأستاذ عبد الصادق بنعيسى إيصاله للمتلقي من خلال هذه البرامج؟
+ لا يمكنني أن أنكر أن في هذه البرامج شيئا من الذاتية. ما أريد أن أوصله للمتلقي هو أنني شخص يعيش بين الناس، أخالطهم، وأعرف همومهم التي قد تكون في أحايين كثيرة همومي أنا كذلك، وأحاول أن أقدم صورا لعينات من هؤلاء الذين يعانون. بالنسبة إلى البرنامج الأخير”مهمشون”، فهو يسلط الضوء على أشخاص إما دُفعوا دفعا ليكونوا على هامش المجتمع، أو كان وجودهم في الهامش اختيارا لهم، أو جاء الهامش إليهم في إطار هجماته التي يشنها من حين لآخر على المجتمع، فجرفهم إليه. فهذه حالات وصور تقدم نماذج مختلفة ومتعددة من أشكال التهميش الكثيرة جدا.
ـ ملفات بوليسية مستوحاة من قصص الأستاذ عبد اللطيف بوحموش. ماذا عن البرنامجين الآخرين، “هاربون” و”مهمشون”. من أين تستلهم هذه القصص؟
+ البرامج التي أقدمها هي جانب طارئ في حياتي المهنية، لأنني أساسا أشتغل في قسم الأخبار، وأعمل الآن رئيسا للتحرير. فالتجربة الأولى في هذه البرامج أُتيحت لي فرصة تقديمها في سنة 2010 مع ملفات بوليسية، وهي مذكرات للأستاذ عبد اللطيف بوحموش، وهو عميد شرطة متقاعد، اشتغلت عليها وقرأتها وأعدت صياغتها. بمعنى أن ما كان يُسمع على الأثير هو أسلوب خاص بي، وليس ما كتبه الأستاذ بوحموش. ولقيت السلسلة تجاوبا من الجمهور ومن المستمعين، فواصلناها لموسم آخر. أما بالنسبة إلى برنامجي “الهاربون” و”مهمشون” فأنا أستلهم قصصها من الواقع الذي نعيشه كل يوم، قد يحدث أن أكون شاهدا على قصة ما، أو قد أقرأ عن حالة ما. فما نصادفه في حياتنا اليومية كثير وغني.
ـ ما هي المدة التي يستغرقها تحضير حلقة من برنامجكم “مهمشون”؟
+ أنا أشتغل تحت ضغط شديد. بالنسبة إلى القصة الواحدة تحضرني الفكرة تأسيسا على ما أكون قد صادفته أو قرأت عنه أو حُكي لي. وغاليا ما تستغرق الفكرة بعض الوقت قبل أن تنضج. ولما أباشر الكتابة، يجب علي أن أجلس إلى الحاسوب لمدة أربع ساعات لكتابة ما أكون قد ركزت عليه تركيزا شديدا ومجهدا. أربع ساعات للتحرير فقط، ثم أقوم بعد ذلك بالتسجيل والتوضيب بنفسي، قبل أن أترك الميكساج في المرحلة الأخيرة للزملاء في القسم التقني.
ـ قنوات عديدة في اليوتوب ومواقع إلكترونية تنشر قصصك. ألا يحز في نفسك هذا السطو؟
+ للأسف، هناك حتى خارج المغرب من يعتاشون على هذه السرقات. ويؤسفني كثيرا أن يسطو أحدهم بكبسة زر على ما أكون قد بذلت فيه جهدا، الله وحده يعلم كم هو مكلف من حيث البحث في الفكرة، وأحيانا تتطلب كتابة القصة القيام ببحث حول حالة معينة أو وضعية معينة حتى لا يكون هناك تناقض، أو كلام ملقى على عواهنه.
ـ هذا السطو، ألا يتحمل فيه المسؤولية أيضا المبدع نفسه. لماذا لا يكون هناك رد فعل سواء منك أو من المؤسسة لحماية منتوجك الإبداعي؟
+ ما أكتبه يسجل ويبث ويوضع في الواجهة الإلكترونية للمؤسسة، وليس هناك ما يحول إلى حد الآن دون تحميل البرنامج واستغلاله. فيما يتعلق بعدم قيامي بأي شيء حيال هذا السطو، فأنا أشتغل ساعات طوال وأمضي في المؤسسة أحيانا 12 إلى 13 ساعة باسترسال، إلى جانب مهامي في قسم التحرير، حيث أقوم بالكتابة، وبالأمور التي تخص هذا البرنامج، فلا يبقى لي متسع من الوقت حتى أتفرغ لهؤلاء الذين يقومون بعملية السطو، علما أن هذا السطو ليس جديدا. فقد قيل لي إن هناك من يقومون بتسجيل حلقات برنامج “ملفات بوليسية” في أقراص مدمجة للمتاجرة بها. كما هناك من يقومون بنشرها على قنوات اليوتوب ويحاولون تغليف الصوت قليلا، لكنهم لن يستطيعوا أن يمحوا ملامح صوتي أو يطمسوها..