le12.ma

بعد عشر سنوات بالضّبط على صدور كتاب “مراكش: أسرار معلنة” (2008) الذي اشترك في تأليفه مع الشاعر سعد سرحان، وخصه بمقدمة آسرة الراحل الكبير خوان غويتيصولو، أصدر الشاعر والإعلامي ياسين عدنان، مؤخرا، كتابين آخرين عن المدينة. صدر الكتاب الأول (باللغة الفرنسية) في الدورة الأخيرة من معرض الدار البيضاء الدولي للنشر والكتاب، عن الناشر نفسه (دار مرسم) وتناول الكتاب أماكن مراكش البائدة.

وقد أعدّ عدنان هذه الـ”أسرار معلَنة” ونسّقه وكتب مقدّمته، “مستدرجا” للمشاركة في تأليفه أدباء ومبدعين من مراكش ليشاركوه في هذا “الترميم” الرمزي لمعالمها الدّارسة، بعين عاشقة للصفحات الممحُوّة من كتاب أماكنها، من خلال اشتغال جماعيّ على ذاكرة الحمراء. أمّا الكتاب الثاني والجديد (2018) فهو أنطولوجيا “مراكش نوار”، التي صدرت بالإنجليزية، في يوليوز الماضي عن دار النشر الأمريكية “أكاشيك” (نيويورك) في إطار سلسلتها “السوداء” الشهيرة حول مدن العالم. وتُزّين غلافَ الكتاب صورة التقطها لشارع في حيّ “المسيرة” في ليلة مطيرة الفنان الفوتوغرافي المراكشي نور الدين تلسغاني. فحين قرّرت الدار المذكورة الانفتاح على العالم العربي كانت مراكش، إلى جانب بغداد وبيروت، أولى الحواضر العربية التي اختارت الاشتغال عليها.

وكتب ياسين عدنان تدوينة، بعد صدور الكتاب، قال فيها إن أدباء مراكشيين ومبدعين مغاربة مرموقين من خارج المدينة شاركوا في تأليف الأنطولوجيا، ذكر منهم ماحي بنبين، محمد الأشعري، محمد نضالي، فؤاد العروي، عبد القادر بنعلي، محمد زهير، فاتحة مرشد، مولاي الصديق الرباج، حليمة زين العابدين، طه عدنان، حنان درقاوي، علال بورقية، كريمة نادر، لحسن باكور، وكاتب هذه التدوينة. حاول الأدباء المشاركون في الكتاب إبداع قصص من وحي الجرائم القديمة التي ظلّت المدينة تسكُت عنها وتُغلِق أبوابها العتيقة دون تسرّب أخبارها أو تلك التي طرأت في السنوات الأخيرة بسبب التحوّلات التي تعرفها مراكش وهي تصير إحدى الوجهات السياحية الأكثر إثارةً في إفريقيا والعالم العربي.. فحضرت في الأنطولوجيا، إلى جانب قضايا الدعارة والاعتقال التعسفي والعنف والقتل والإرهاب، قضايا الفقر والفساد والخيانة وغيرها من قصص “سوداء” مُستوحاة من واقع المستشفيات العقلية.. قصص ظلّت، رغم تنوّعها، متجذّرة في التربة المغربية.

هكذا حرص الكتّاب المشاركون في الأنطولوجيا -من خلال قصص باللغة العربية وأخرى بالفرنسية وقصة بالهولندية- على تقريب القرّاء من واقع مراكش اللغوي والثقافي والديني والعرقي؛ مراكش الأمازيغية، العربية، الإفريقية، المسلمة دون أن تتنكّر لمَلاَّحِها التاريخي، الحاضرة المغربية العريقة والعاصمة السياحية للمملكة، مدينة البهجة والأسى، مدينة الحياة البسيطة، المدينة المرتبطة بأهمّ العواصم الأوروبية من خلال رحلات جوية يومية عبر مطارها الدولي… مدينة الجالية الأوربية الجديدة، مشتى المتقاعدين الفرنسيين وملاذ المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء، مدينة الليالي الحمراء والسياحة الجنسية ومدينة الجيل الجديد من الجرائم.. فكأنّ الأدباء المشاركين في التأليف لم يكتبوا قصصا فقط، بل حاولوا أن يكتبوا مراكش أيضا، مجربين أن يرسموا، جماعيا لكنْ كلٌّ من خلال حكايته المتخيَّلة، بورتريها شاملًا، فيه حزن وعنف وتوتر و”سواد”، لكنْ دونما تفريط في روح مراكش، البهية البهيجة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *