عبد الرزاق بوتمزار

ح. 74

ليس الفتى من يقول ها أنا ذا؟!

إذا كان من فائدة لعدم إعلان اسمي وأسماء مُستحِقين آخرين ضمن لائحة المُتوَّجين في “مُسابَقة جامعة ناصر لطلبة المعاهد العليا والجامعات العربية” فهي أنها ساعدتني شخصيا، كثيرا، في التخلص من ذلك الشّخص (محمد) ومن لِجنه الشّعبية وهلمّ مجالسَ وثورات..

تابع محمد فصول “السّكاندالْ” الذي تسبّبتُ فيه يومَ إعلان نتائج المُسابَقة خَلْواً من اسمي وأسماءِ المُستحِقين من وجهة نظري، وعايَنَ حالةَ “الجّعرة” التي تملّكتْني عقب إعلان أسماء مَن كنا نتسلى بتصحيح أخطائهم النحوية والإملائية وهم يتهجّوْن في الأوراق أمامهم (قيل إنّ كثيرين قرؤوا نصوصا ليست لهم) مُتوَّجين، ضدّاً على جميع التوقعات ومُعاكَسة لجميع الأعراف والقواعد المعمول بها في بلدان المعمور.

-واللهِ لو كان لديّ أدنى شكّ في أنّ مثلَ هذا سيحدُث ما كنتُ لأتجشّم مشقة السّفر حتى هذه البلادِ العجيبة، التي تسير فيها الأمور خلافاً لما تجري به في أيّ مكان آخر.
لستُ أدري كم مرّة ردّدتُ الجملةَ على مسامع من تحدّثوا معي بشأن النّتائج النهائية لتلك الدورة الغريبة من مُسابَقة الطلاب العرب، الذين تَبيّن للعديدين منهم أن التميز لا يُتوَّج، بالضّرورة، في جميع الحالات!

كان بين هؤلاء الطلبة الكثيرون أمثالي ممّن استهجنوا قرارات لجنة التحكيم، المُتحيّزة، التي أفسدتْ ذلك اللقاء الجميل بين طلاب جاؤوا من مختلف بلدان “العرب” مُتأبطين قصصهم وقصائدهم وبُحوثَهم وغيرَ قليلٍ من الطموحات والآمال، التي اصطدمتْ بمنطقٍ آخرَ وبقواعدَ واختياراتٍ غيرِ ما كانوا يعرفون أو يتوقعون.

ومنذ الليلة التي أعلِنت فيها النّتائج، استبدّ بي أكثرَ الهاجسُ الذي طالما حاولتُ أن أُبعِدَه عن تفكيري منذ وطأت أقدامُنا أرضَ الجماهيرية: رحلة العودة.. سيتكرر السّيناريو المشؤوم ذاتُه: سيُرْكبوننا في الطائرة “المشخشخة” ذاتِها وسنعيش لحظات الرّعب ذاتَها التي عشناها أثناء رحلة الذهاب، قبل عشرة أيام.

كان كثيرون ممّن رافقوني في تلك الرّحلة يغربون في الضّحك وهم يسمعونني أردد أنّني مُستعدّ للعودة مشياً لو خيّروني بين ذلك وبين ركوب تلك “القزديرة” التي يُسمّونها طائرة. كانوا يظنون أنّني أقول ذلك لمُجرَّد المُزاح والتفكّه، بينما أنا أعي كلّ ما كنتُ أقول. كنتُ في الحقيقة تماماً مثل بطل قصّة “الشّاعر وإكليل الموت”، التي شاركتُ بها في فاعليات المُسابَقة: “أحلم بأنْ أصبح أديبا كبيراً تعبُر كتُبي الخالدة الحُدودَ وتشُقّ كلماتي وتعبيراتي طريقَها إلى الآذان في كلّ مكان”..

وكما تبدّتِ الشّعرة البيضاء للشّاعر في القصّة، تبدّتْ لي النتيجةُ النهائية للمُسابَقة ضربةً قاضية طوّحتْ بما تبقّى لي من رغبة في إتمام مسار أدبيّ كنتُ آمل أن أُتوّجَه، وأنا في بداياتي، ببعض الاعترافات والجوائز، لأجدَني، وأنا بعدُ في بداية المشوار، أتلقى صفعات قوية، إنما لذيذة، لأنها أيقظتْني من وهْم التطلع إلى صُنع التميّز والتفرّد في وطن “عْروبيّ” كسيح لا يُولي كبيرَ اهتمامٍ لمثل هذه المصطلحات ويتعامل وفق معاييرَ وحساباتٍ أخرى مُخالِفةً تماماً لما في خيالي الحالم، المسكين، الذي كبحتْ جماحَه تلك الصّفعات وأعادتْه من سُحُبه إلى واقع أرض “عْروبية” شديدة الصّلابة والخشونة، خُصوصاً في التعامل مع العقول الشّاردة، الحالمة، التي تدور في فلك مقولاتٍ وقناعاتٍ وحِكَم مُتجاوَزة، من قبيل “إنّ الفتى مَن يقول ها أنا ذا”!..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *