محمد سليكي
لا تكاد دول الديمقراطيات العريقة، أو التي هي في الطريق نحو عبور مرحلة الانتقال الديمقراطي الحقيقي، تدع أيّ امتحان لشعاراتها في محاربة الفساد، وحماية المال العام.. يمر، دون أن تُصدر لنا، نحن في الدول المتخلفة، دروسا في ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، انتصارا لروح الوثيقة الدستورية، وتنزيلا لمبادئ الأنظمة الديمقراطية، وسيادة القانون في وجه الكافة..
من الجمهورية الفرنسية، التي نسخنا عنها العديد من القوانين، نطبقها وفق منطق الكيل بمكيالين، جاء الدرس الأخير، لعل المشاركين في إدارة دفة الحكم، مركزيا كانوا أو جهويا أو محليا، من المسؤولين، أن “يتّقوا الله في وطنهم”..
آخر درس فرنسي، والذي لن يكون الأخير حتما، “إلى بْقى الحال هو الحال”، كان عنوانه الأبرز السيد فرنسوا دو روغي، وزير البيئة، الذي قدّم، أول أمس الثلاثاء، استقالته من حكومة إيمانويل ماكرون بعد اتهامه بالإنفاق المفرط، وإقامة مآدب عشاء “باذخة” حين كان، بين 2017 و2018، رئيسا للجمعية الوطنية.
وإذا كانت “زردة دورغي”، رغم مرور شهور على إقامتها، أطاحت به من” تاويزاريت”، وأقحمت حكومة ماكرون، في نفق حملة إعلامية واسعة نالت من شعبيتها، فكيف هو الحال في بلدي، يا بلدي!؟.. وتقارير مؤسسات دستورية رقابية لا يُنفَض عنها الغبار إلا لماما، وعلى رأسها تقارير المجلس الأعلى للحسابات…
وزير البيئة الفرنسي يقدم استقالته والسبب “موائد العشاء باذخة”
ولعل من غرائب الصدف أن ينزل الدرس الفرنسي على الطبقة السياسية المغربية، وهي تخلّد الذكرى العشرين لإطلاق الإصلاحات الكبرى، دون أن تقوى تلك الإصلاحات في أحايين كثيرة، على دحر لوبيات الفساد، حتى أصبح الفساد يمشي بين الناس على أكثر من صفة وهيئة “بدون خوف ولا خجل”..
لن نخوض في سرد ملفات الفساد، ولا أبطال ملفات الفساد، طلما أن الدولة تعرف كل شيء عن فسادهم، وكل شيء عن سيرهم، وربما كل شيء، حتى عن موعد حسابهم، ولكنْ سنتناول حالة مَن يحاضرون بـ”جلابة” اليسار، الفكرة والمشروع، وتقية محاربة الفساد، والسعي نحو المغرب الممكن.. بينما هم، في الحقيقة، وسط دائرة الاتهام بأكثر من شبهة فساد..
مناسبة هذا الكلام، ونحن نستحضر في هذه الورقة مبدأ البراءة هي الأصل، أن تلك الاتهامات “الغليظة” التي وجهتها أكثر من جهة، وليست أي جهة، لواحد من أقطاب حزب البام وحركة لكل الديمقراطيين، ما كان لها أن تمر عاصفتها، حتى تنطلق أخرى.. إن المتهمون كثر.. والمشتبه به واحد..
غير أن ما يثير الاستغراب، هو أنه رغم خطورة ما وُجّه له من تهم، فإن المعني بالأمر، والذي ليس سوى أحمد اخشيشن، لم يصدر عنه أي رد، تاركا بذلك، باب تقديم الناس، لقراءات مختلفة، غالبا ما تخلط بين الشبهة والتهمة..
السّي احمد، كما يحب أن يناديه البعض، يظهر أنه “مْوسّع جلابتو” تجاه ما يقال عنه، وإذا عرف السبب بطل العجب، فالرجل “راكب راسو”، لا يقوم سوى بما يخدم موقعه، وطبعا “الغاية تبرٌر الوسيلة”، كما تعرف على ذلك في كتاب “الأمير”، للفيلسوف ميكافيلي.
قبل العودة إلى مغامرات سي احمد، مع “ركوب الراس”، رغم تحذيرات الناسْ، وضدا على إرادة الناس، ناس القرار كانوا أم ناس الجْرّارْ، اسمحوا لي أن أسرد عليكم قصة تؤكد أن السي احمد، يحسن تطبيق مثل: “أنا ومن بعدي الطوفان”..
نحن الآن في 2009، حزب الاستقلال، يقود حكومة عباس الفاسي، وحزب الأصالة والمعاصرة في المعارضة، وبطبيعة الحال سي أحمد قيادي هذا الحزب المعارض، وفي الوقت نفسه وزيرا في حكومة السي عباس، شفاه الله، التي عُرفت عند المغاربة بـ”الحكومة الصكعة”، التي أسقطها حراك 20 فبراير قبل متم ولايتها..
قيادة الحزب في اجتماع لها داخل منزل القيادي البامي الثري علي بلحاج، وعلى جدول أعمال هذا الاجتماع، الذي حضره وقتذاك برلماني الرحامنة والقيادي البامي، فؤاد عالي الهمة، نقطة دعوة سي أحمد إلى إنهاء “إحراجه” للحزب بوجود جسد “التراكتور” في المعارضة، وأصبعه في الحكومة…
تداول المجتمعون في الأمر، وطلب السّي أحمد مهلة تفكير للرد.. ولم يمر على نهاية هذا الاجتماع إلا ساعات، حتى اتصل أخشيشن ليخبر قيادة “البام” بأنه لن يغادر حكومة عباس الفاسي، “علاش”؟، لأنه… “مكلف بمهمة”!
لم يهتم قادة “الجرار”، لقرار اخشيشن، الذي استمر في تحدي الجميع، دونما اكثرات بتقدير اللحظة السياسية والقرار الحزبي بالتخندق في المعارضة.. فكان بذلك يجسد بحق مثل :”أنا ومن بعدي الطوفان”..الذي يعكس ربما شخصيته..
واصل أخشيشن، الجلوس على كرسي الوزير، فكانت النتيجة أن تحولت المهمة إلى بحر طوفاني، أغرق المخطط الاستعجالي..في اختلالات تبذير المال العام كما وثقت ذلك تقارير المجلس الأعلى للحسابات..
نغلق قوس هذه قصة، التي لا ينكرها من شهدوها، بعدما تعرفتم على جزء من طريقة تفكير الرجل، ونعود إلى السهام الموجهة لصدر السي أحمد، المسؤول المؤتمَن على المال العام، المؤدي للقسَم أمام الملك، لا السي أحمد، الشخص الذي لا تخلو جلساته من النكت والفقشات، خصوصا بوجود صديقه التريتور المراكشي الشهير، الملقب بـ”الجنرالْ”..
أول تلك السهام التي لم يرِد بشأنها أي رد من “بطل” تنزيل “المخطط الاستعجالي”، الذي ارتقى بتعليمنا إلى مصاف تعليم السويد واليابان..هناك الملف الذي فجّره حكيم بنشماش، في وجه اخشيشن ومن معه، وذلك من خلال رسالة لزعيم “البام”، كان قد وقعها أخيرا من الإيكوادور..
بعدما “حمق”البوليساريو. بنشماش يكتب رسالة إلى التاريخ فضحت “رُهوط بوجلابة”
بنشماش، في معرض حديثه في تلك الوثيقة عما سماه “الأخطبوط” الذي يريد سرقة اللجنة التحضيرية للمؤتمر الرابع لإفراز أمين عام “ماريونيت”، سيقول بـ”الفم المليان”، على رأي الإخوة المصريين:”من خلال كل ذلك، ومن خلال أدلة أخرى سنكشفها في الوقت المناسب، أجزم بأن لهذا الأخطبوط رأسا يتساقط وتتكشف أقنعته تباعا، رأس يتخذ شكل ما أجرؤ على تسميته التحالف المصلحي لبعض مليارديرات الحزب الجشعين، أبرز من يظهر منهم على المكشوف موزعون، من حيث المنشأ والامتداد، على مناطق طنجة والنواحي؛ الحسيمة والنواحي؛ بني ملال والكثير من النواحي؛ مراكش -آسفي والكثير من النواحي أيضا”.
لم يقف بنشماش، عند هذا الحد، “غادي يدق” ربما، على رئيس جهة مراكش أسفى”مزيان”،عندما تساءل وهو يفكك بنية تحالفات خصوم الشرعية حول:”ما الذي يجمع بين مكونات هذه الشبكة الناشئة؟ وما سر التحالف بين أقطابها؟” مقدّما الجواب بقوله:”إن جزءا كبيرا من الجواب عن هذا السؤال، الذي سنعود إلى تفاصيله لاحقا، موجود في قسم الصفقات التابع للمجلس الجهوي في مراكش -آسفي”…
السهم الثاني، الذي وُجّه لخشيشن مباشرة جاء، هذه المرة، أمس الأربعاء، من حميد بنساسي، الأمين الإقليمي لحزب الأصالة والمعاصرة في إقليم الحوز وعضو مجلس جهة مراكش أسفي..
رسالة بنساسي، التي انفردت صحيفة “le12.ma” بنشرها، تضمنت تهما لا تساوي أمامها “زردة دو روغي”، التي أطاحت به من حكومة ماركون، قيمةَ “طنجية” مراكشية.
وحتى ننفذ مباشرة، إلى صلب رسالة من يلقب بـ”تراكتور الحوز”، الذي يحمل صفة رئيس لجنة السياحة والصناعة التقليدية في مجلس الجهة، نكتفي بنشر هذه الفقرة فقط، من رسالته التي خاطب من خلالها بنساسي الرئيس اخشيشن قائلا له:”إنكم تعملون على محاربة الجماعات التي يترأسها الحزب (البام) الذي تنتمون إليه وتعملون، عن سبق إصرار، على تدعيم الأحزاب المنافسة لأهداف أنتم تعرفونها جيدا، بل لهدف واحد وأوحد هو محاولة ضمان سكوتهم عن الخروقات والتلاعبات في صفقات المجلس الجهوي، الذي بدأت رائحة الفساد فيه تزكم الأنوف”..
إذا كان السي أحمد، قد ركن أمام هذه السهام، إلى الصمت، فما جوابه حول صفقة اقتناء مجلس جهته 20 سيارة خاصة بالنقل المدرسي تحوم حولها شبهات تبذير المال العام، بعدما كلّف اقتناء الواحدة منها 61 مليونا، بينما اقتنت جماعة أخرى سيارة خاصة بالنقل المدرسي بـ34 مليونا فقط.. أم أنه سيخرج علينا،”العبدي” لاستغباء الرأي العام من جديد، بمزاعم، كون غلاء السيارات المشتراة، يعود للتجهيزات المتوفرة فيها كنظام”التكييف”..
نعم “التكييف”، أسي كودار، “التكييف”، الواحد هو اللي “يتكيف” مع “الوقت” بعدما “يضرب الطنجية نعام آس”، خصوصا إذا كان “موسّع جلابتو” ويؤمن بقناعة :”أنا ومن ورائي الطوفان”، ولا يضع درس مصير “زردة” فرنسوا دو روغي، في أي حسبان..
فما رأي قيادة”البام” فيما يثار حول السي أحمد ومن معه، من إستفهام؟..
………………………………………………………………………………
“أقوال خالدة”
لا علاقة لها بما سبق أو لها علاقة.. المهم، كان يا ما كانْ حتى خرْج ولد العروسيّة وسْط حمراء سبعة رجال، وقالْ حتى قال، لصاحب الهْمّة والشّانْ “لا تشوف لفوق… رْدّ بالك.. مراكش راه حْدورة.”..
فأجاب :”ياك”..
فقال له: “إيّييهْ”..
فقلت:” هاكّاااك”..
إيوا لخبار في راسك أسّي.