إعداد: إلياس زهدي

ح. 27

قصص قصيرة جدا
باولو كويلو (1947 -…)

1- هل ستمطر السماء؟

بعد أربع سنوات عجاف مرت على قرية تقع في الشمال الشرقي لأحد البلدان، جمع رجل الدين أهاليها جميعا ليأخذهم في رحلة روحية إلى الجبل، بغرض تأدية صلاة استسقاء جماعية هناك كي يهطل المطر مجددا.

في خلال ذلك، لاحظ رجل الدين وجود صبي في الجماعة يرتدي معطفا واقيا من المطر فسأله:
-هل أنت مجنون؟! السماء لم تمطر في هذه المنطقة على امتداد خمس سنوات، والحرارة بعد المشي مسافات طويلة في اتجاه إلى الجبل ستقتلك.

أجابه الصبي:
-أعاني من نزلة برد يا سيدي. وإذا كنت ستدعو الله لكي تمطر السماء، فإنه يمكنك تخيّل رحلة عودتنا من الجبل! سيكون هناك فيضان، وأنا احتاج إلى أن أكون مستعدا لما سيأتي.

في تلك اللحظة، سمع أهالي القرية هديرا عظيما آتيا من السماء وبدأت قطرات المطر الأولى تنهمر تباعا.

كان إيمان صبي واحد كافيا لإدراك المعجزة التي لم يؤمن بها الأكثر استعدادا لها من الكبار.

***

2- الأخت الكبرى

ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﺗﺸﻲ ﺟﺒﺮﺍﺋﻴﻞ ﻃﻔﻠﺔ فﻲ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﻟﺪ ﺃﺧﻮﻫﺎ. ﻭﻗﺪ ﺗﻮﺳﻠﺖ ﺇلى ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﻭﻭﺍﻟﺪﺗﻬﺎ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻛﺎﻫﺎ ﻟﻮﺣﺪﻫﺎ ﻣﻌﻪ، ﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻮﺍﻓﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ. ﻓﻘﺪ ﺧﺸﻴﺎ ﺃﻥ ﺗﺆﺫﻳﻪ، ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻤﻦ ﻫﻢ ﻓﻲ ﺳﻨﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﺮّﺿّﻊ، ﺑﺪﺍﻓﻊ
ﺍﻟﻐﻴﺮﺓ.
ﻟﻢ ﺗﻈﻬﺮ ﺃﻱ ﻋﻼﻣﺎﺕ ﻟﻠﻐﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺗﺸﻲ. ﻭﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﺃﺧﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﻋﺎﻃﻔﺔ ﻭﺣﺐ ﺷﺪﻳﺪَﻳﻦ، ﻗﺮﺭ ﺍﻷﺏ ﻭﺍﻷﻡ ﺃﻥ ﻳُﺨﻀﻌﺎﻫﺎ ﻟﺘﺠﺮﺑﺔ، ﻓﺘﺮﻛﺎﻫﺎ ﻟﻮﺣﺪﻫﺎ ﻣﻌﻪ. ﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﻟﻢ
ﻳﻐﻠﻘﺎ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ تماما، ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻤﻜﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﻗﺒﺘﻬﺎ. ﺃﺣﺴﺖ ﺳﺎﺗﺸﻲ ﺑﺴﻌﺎﺩﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻹﺟﺎﺑﺔ ﻃﻠﺒﻬﺎ. ﺍﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺮﻳﺮ ﺑﻬﺪﻭﺀ، ﺛﻢ ﺍﻧﺤﻨﺖ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺮﺿﻴﻊ ﻭﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ:
-ﺣﺪّﺛﻨﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻘﺪ ﺑﺪﺃﺕ ﺃﻧﺴﺎﻩ.

3- خريطة العالم

كان الأب يحاول أن يقرأ صحيفة، لكن ابنه الصغير لم يتوقف عن إزعاجه. وحين تعب الأب من ابنه، قطع ورقة في الصّحيفة كانت تحوي على خريطة العالم ومزًقها إلى أجزاء صغيرة وقدّمها ابنه وطلب منه إعادة تجميع الخريطة، ثم عاد لقراءة صحيفته.

ظن الأب أنه سيُبقي الطفل مشغولا بقية اليوم. لكنْ لم تكد تمرّ خمسة عشرة دقيقة حتى عاد إليه الطفل وقد أعاد ترتيب الخريطة!

تسائل الأب، مذهولا:

-هل كانت أمّك تعلمك الجغرافيا؟!

رد الطفل:

-لا، أبدا، كل ما في الأمر أنه كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة.. وعندما أعدتُ بناء الإنسان أعدت بناء العالم أيضا!

***

4- قلم الرصاص

بينما كانت جدته تكتب رسالة، راح الحفيد يراقبها. ثم سألها:
-هل تكتبين قصة حدثت لنا؟ وهل هي قصة عني؟

توقفت الجدة عن الكتابة وابتسمت وهي تجيب حفيدها:
-أنا أكتب عنك فعلا، لكنّ الأمر الأكثر أهمية من الكلمات، إنه قلم الرصاص الذي أستخدمه في الكتابة، وآمل أن تصبح مثل هذا القلم عندما تكبر!

أخذ الصبي يتأمل قلم الرصاص وقد تملّكه الفضول بشدة، لكنه لم يجد فيه شيئا مميزا. فقال للجدة:
-لكنه عادي ويشبه أي قلم آخر رأيته في حياتي!”
ردّت عليه:
-هذا يعتمد على زاوية نظرتك إلى الأشياء.. هناك خمس خواص للقلم، وإذا تمكّنت من الحفاظ عليها ستعيش دوما بسلام مع العالم.. الأولى أنك قادر على القيام بأشياء عظيمة وأنت تستخدمه، لكنْ يجب ألا تنسى، أبدا، أن هناك يدا تقود خطواتك.. ونطلق على هذه اليد تسمية اليد الإلهية، وهي دوما ستقودنا بمشيئتها.

أما الثانية فهي أن عليَ في بعض الأحيان أن أتوقف عن الكتابة لأبريَ القلم؛ هذا ما يجعله يتألم قليلا، لكنه في النهاية سيصبح مسنّنا أكثر فيؤدي وظيفته بكيفية أفضل. لذا، تعلّم كيف تتحمل القليل من الألم، لأن ذلك يجعلك شخصا أفضل.

وأضافت الجدة:
-أما الثالثة فتتمثل في أن القلم يتيح لنا، دوما، أن نستعمل الممحاة لإزالة أيّ خطأ. ويتعين عليك أن تدرك أن تصحيح شيء فعلناه ليس بالضرورة عملا سيئا؛ وإنما هو حيوي لكونه يساعدنا على البقاء في طريق العدل. والرابعة أن المهم في القلم حقا ليس الخشب أو شكله الخارجي، وإنما مادة الغرافيت الموجودة في داخله. لذا، عليك دائما الاهتمام أكثر لما يحدث في دواخلك..

والخاصية الخامسة والأخيرة تتمثل في أن القلم يترك أثرا دائما، وبالطريقة نفسها.. عليك أن تعرف أن كل شيء تفعله في الحياة سيترك وراءه آثارا، فحاول أن تكون واعيا بكل عمل تؤديه.

***

5- سحر الحياة

توسّط الساحر الساحة. أخرج من جيبه ثلاث برتقالات وراح يلعب بها في الهواء. تحلق الناس حوله، مدهوشين لمهارته وخفة يده. قال أحدهم: هكذا الحياة! دائما لدينا برتقالة في كلتا اليدين وثالثة في الهواء؛ ولكن الثالثة هي الحكاية كلها! لقد رماها بحنكة، ولذلك تدور في مدارها..

كلنا مثل هذا الساحر، نلقي بحلم في هذا العالم ولكننا لا تنحكم فيه أبدا. في أوقات كهذه لا بد أن تعرف كيف تترك نفسك بين يدَي الله وتسأل.. لعل الحلم يدور في مداره الصحيح ويعود متحققا إلى يديك!

***

6-رؤية الله

قرّر الرجل الذي كان يسعى وراء الحكمة أن يصعد الجبل. قالوا له إن الله يظهر هناك مرة كل عامين.

في عامه الأول هناك، كان الرجل يأكل من كل ما تنتج الأرض. وبعد أن نفد الزاد عاد إلى المدينة. صار الرجل يحدث نفسه: “الله غير عادل.. ألم يعرف أنني انتظرت عاما بكامله لكي أراه؟؟ لقد عضّني الجوع وكان لا بد من العودة إلى المدينة”.

وفي تلك اللحظة ظهر ملاك ليقول له:
-كان الله يريد أن يتكلم معك.. لقد أطعمك عاما كاملا، وكان يتمنى لو أنك أنتجت طعامك بعد ذلك. لكنْ ماذا زرعت؟ إن الذي لا يستطيع أن يزرع الأرض حيث يعيش لن يكون مستعدا لأن يتكلم مع الله!”..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *