عبد الرزاق بوتمزار

ح. 63

إغْريقْيَا وأَغارِقة..

 

في صباح اليوم الموالي ركبنا حافلة تحرّكتْ بنا نحو جامعة ناصر، التي يُفترَض أن نُلقيَ في مُدرَّجاتها عروضَنا في إطار المُسابَقة. إنه يوم افتتاح التّظاهُرة، وكان الهدف من الزّيارة، وفق ما بدَا من خلال خلو رحلتنا من أيّ نشاط، هو أن نستأنس بالمكان الذي سيحتضن فاعليات مُسابَقة الجماهيرية الأدبية.

كانت الحافلة خليطاً من الجنسيات. جلسنا، رشيد ومحمد وأنا، في مقاعدَ مُتقاربة. اخترنا مقاعدَ خلفية. بالقرب منّا جلس بقية الطلبة المغاربة. اختار الطلبة المُنتمون إلى كلّ بلد على حدة مقاعدَ مُتقارِبة وانخرطوا في أحاديثَ متنوعة ضاحكة. كان منظرنا ونحن نُكوّن ما يشبه الأحلاف أو الأطياف داخل الحافلة يعطي مثالاً مصغَّرا عن واقع حال بلداننا “العربية”.

سارت بنا الحافلة عبر شوارع المدينة “الخضراء” الفسيحة. وبعد قطعها مسافة بدت لي قصيرة، توقفتْ عند مدخل الجامعة. أرجاء البناية فسيحة. كان أولُ ما استرعى انتباهَنا هو أنّ معظم الطلبة الليبيين يأتون إلى الكلية على متن سيارات خاصّة، ما يعكس نوعاً من الرفاهية لدى رعايا القذافي.. عندما أبديتُ ملحوظة بهذا الخصوص لمُرافقَيّ رشيد ومحمد، علّق الأخير:
-وْعْلاشْ اللي ما يْركْبوشّ الحْديدْ الواعْر؟ الفلوسْ كايْنة والبترولْ عاطْيَة ريحْتو من وِهرانْ!..

إلى جانب وفدنا المغربي، كان هناك موريتانيون وجزائريون وأردنيون وسوريون وعراقيان، إضافة إلى الليبيين، الذين يُشكلون العدد الأكبر من المُتسابقين. ولا أدري لماذا غابت وفود بعض البلدان عن المُسابَقة، خصوصا تونس ومصر، القريبتين من الجماهيرية، جغرافياً على الأقلّ..

تفرّقنا على مُدرّجات جامعة ناصر وقاعاتها، كلّ حسب المحور الذي يشارك فيه؛ وكان المحور الأدبي يضُمّ أعلى نسبة من الطلبة. دخلنا جميعاً إلى مُدرّج فسيح خُصّص لاحتضان حفل الافتتاح، فتوزّعْنا على مقاعده، كما في الحافلة، شِيَعاً وقبائلَ.

تناوب بعض الأساتذة على قراءة مُداخَلات وكلمات للتّرحيب بالمُشاركين وتوضيح الخطوط العريضة للمُسابَقة؛ لكنّ أهم ّما ميّز تلك الصّبحيةَ كلمةٌ ألقتها أستاذة سودانية ما إنْ شرعتْ في الحديث حتى أثارت انتباهي لكنتُها المُتميزة وطريقتها الخاصّة في الكلام وفي نُطق بعض الحروف، وعلى الخصوص الفاء (ف) الذي ينقلب في منطوقها غيناً (غ) بقدرة قادر؛ ما جعلني ورفاقي من المغاربة نتربّص بين كلامها للكلمات التي تحتوي على حرف الفاء (الغين) وخُصوصاً كلمتَيْ إفريقيا وأفارقة، اللتين وردتا، مراراً، في مداخلتها اللطيفة.

في منطوق المُتدخّلة السّودانية كانت إفريقيا تتحول إلى “إِغريقا” وأفارقة تصير “أَغارِقة”!.. وبتوالي حديثها، الذي أثار انتباهي منذ كلماته الأولى، تَزايَد اهتمامُ بقية الحضور، بعد أن سَرَت الهمساتُ والتعليقات الضّاحكة بين الصّفوف بخصوص طريقة النّطق الفريدة للأستاذة السّمراء، التي أشبعت الأغارقة وقارّتَهم إغراقاً! ولشدّة إعجابي بطريقة المُتحدّثة، قمتُ من مجلسي والتقطتُ لها صورة خاصّة أردتُها أن تبقى في ألبومي مُخلّذةً ذكرى الإنسانة التي أغرقت كلّ إفريقيا والأفارقة في مدة لم تتجاوز عشر دقائق!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *