إعداد: إلياس زهدي

ح. 25

كلاب الطبقة العليا جون فيشر

 

كان السيد إسحاق يملك كوخا صغيرا في ضواحي المدينة. زوجته اليافعة، ماريا، كانت سبب اختياره هذا المكان. بسبب عشقهما الرّهيب تربية الكلاب، يملك إسحاق في هذا الكوخ أحد عشر كلبا، من أنواع وأحجام مختلفة. كان يقول دوما لماريا “أرى فيها الجمال، أرى الكون منطويا في أعينها، ألمسُ في أرواحها شيئا خفيا يا ماريا.. لو أمكنني التضحية بعمري كله لإسعادها لفعلت بطيب خاطر.

كانت ماريا، أيضا، تبادل الكلاب الشعور نفسَه. تستيقظ مبكرا، هي وزوجها، ليُمشيا الكلاب في الأرجاء الخالية، ليست خالية تماما، فقد لاحظ إسحاق أن شيئا ما كان يرمقهم كلّ صباح من خلّف نافذة القصر المجاور لهما وهما ينزّهان الكلاب. كان قصرا لأحد أثرياء المدينة، اشتراه كملاذ يلجأ لها عندما يقنط من الأعمال ويشعر بضيق.

ما لفت نظر إسحاق، منذ بداية مجيء الرجل، أنه يملك كلبا عظيم الحجم، من سلالة نادرة جدا، لكنه كان يتركه دوما بفي لقصر.. حتى إن غادر لا يأخذه معه. يترك خدما ليطعموه في مواقيت محددة ويرعوه أفضل رعاية. في البداية، عرض إسحاق على الرّجل أن يتبنى كلبه لعلّه يجد في غياب صاحبه صحبة من كلاب قد يحبّ الرقود معها، لكنّ صاحب الشأن رفض وقال أنّ إسحاق رجل مهووس لا يجب حتى سماع هرطقاته.

ذات يوم، اقترب إسحاق من النافذة التي لاحظ خلها مرارا شيئا يرمقهما كلّ صباح. كان كما توقّع، الكلبَ الحزين ذا الجاه والسلطان، يرمقهم بأسى، حالما بأن يحظى بجولة واحدة معهم..

كان قلب إسحاق يشتعل غضبا وثورة مما شعر به تجاه الكلب المسكين. فكسر الزجاج وهرّب الكلب ليشاركهم حياتهم البسيطة الغامرة بالسعادة.

انتاب القلق ماريا. بدأت تطلب من زوجها كل يوم إعادة الكلب “قبل وصول صاحب الشأن والسلطان إلى هنا مرة أخرى أو يكتشف أحد رجاله الأمر فتزداد علاقتنا بالجار سوءا.. ربما استغلّ نفوذه ليعاقبنا على سرقة كلبه”.. لكنّ إسحاق ظل يطمئنها، فرجال القصر حسبوا أنّ الكلب قد كسر الزجاج وهرب، فلا مشكلة، الأهمّ هو السعادة التي نالها الكلب والحياة التي وُجد ليحياها مع شخصين يتفهّمان ذلك.. وكانت ماريا تكتفي بعد ذلك بالصمت.

ذات سعيد آخر على الزوجين، وعلى الاثني عشر كلبا التي أخذاها في نزهة، وكما كان قلب الزوجة يخبرها، عاد الجار، ومعه رجاله.. يحدّقون فيهما وفي كلابهما، وفي كلبهم على الخصوص.

لم يتفوّه أحد بأيّ كلمة، إلا إسحاق؛ ظلّ يعيد قوله “أرجوك، تفهّم الأمر، الكلب يعاني، وأنا أحاول إرضاءه ليس إلا، أرجوك!”..

لكنْ دون رد أو إظهار أدنى اهتمام، أشار بيده لرجاله فرفعوا، بكل ساطة، مسدساتهم نحو الكلاب وقُضي الأمر.
أما الزوجان فقد أخذوهما معهم وحكم عليهما بالعمل كخدم في القصر ومُنعو منعًا باتّا من تربية أي حيوان آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *