إلياس زهدي -وكالات

 

ضمّ الروائي الفرنسي بيار ميشون اسمه إلى لائحة الفائزين بـ”جائزة فرانز كافكا”، التي تمنحها الدولة التشيكية، وهم من كبار الروائيين العالميين.

ويعدّ ميشون الروائيَ الفرنسي الأول الذي يدخل هذه القائمة والفرنسي الثاني بعد الشّاعر إيف بونفوا، الذي كان قد فاز بها في 2007، وكان فوزه مفاجئاً لكونه شاعرا روائيا ولا علاقة له مباشرة بعالم كافكا أو بأجوائه العبثية والسوداوية، وهذه العلاقة واحدة من شروط الجائزة العالمية.

وصرّح ميشون، بُعيد تلقيه نبأ فوزه بنبرة مرحة، “كم يصعب علي التعبير.. بأي عزة أو زهو أشعر واسمي يضمّ إلى كوكبة الفائزين بجائزة كافكا، ومنهم فاكلاف هافل وبيتر هاندك وفيليب روث وألفريد يلينيك وكلوديو ماغريس؟!”..

ويعكس هذا التصريح “التواضع” الذي يتّصف به بيير ميشون، وهو الاسم الكبير في الحركة الروائية الفرنسية، رغم أنه بات، في السنوات الأخيرة، يعيش في ما يشبه “عزلة”، بعدما حقق نجاحا مبهرا في عدة روايات، أشهرها “حيوات صغيرة جداً”، التي أصدرها في 1984 وهو في التاسعة والثلاثين من عمره وفاز بفضلها حينذاك بـ”جائزة فرانس كولتور”.

وقد كانت “حيوات صغيرة جداً” حدثا، ليس لأن كاتبها كان شبه مجهول، بل لأنها عكست خبرة روائية وتمرسا في لعبة السرد وفتَح فيها ميشون أفقاً غيرَ مألوف. كما أنقذت هذه الرواية (التي كانت الأولى) ميشون، كما صرح بذلك لاحقا. فهو كان أمامه خياران: أن يصبح كاتبا أو “كلوشار” بالنظر إلى الظرف المادي الحرج الذي كان يطوّقه في تلك الفترة.

وبعد صدور هذه الرواية، توالت أعمال أخرى لقيت رواجا واسعا ورسخّت مكانة ميشون في الحركة الروائية الجديدة، التي كانت قد خرجت إلى فضاء الكتابة الروائية الحرة، المتفلتة من قيود المدارس والنظريات والتقنيات الرائجة والثابتة في فن الرّواية.

واعتمد ميشون في “حيوات صغيرة جداً” لعبة تقنية ليقدم سلسلة حكايات أو حيوات لشخصيات عرفها الراوي خلال طفولته، ثم وجدها أو التقاها في حياة التشرد التي عاش لاحقا.

وتقترب الرواية، في المجمل، من السيرة الذاتية، ولكنها بعيدة عن أدب الاعتراف، فهي تسعى إلى اكتشاف قدَر الراوي بصفته كاتباً في طور النشوء والتطور. ودوّن ميشون ملحظوات وانطباعات في أكثر من تسعين دفترا حتى يتمكن في الأخير من كتابة هذه الرواية، رواية هذه الحيوات، التي نهلت، على خلاف الأعمال السردية، من التخييل مستندة إلى مقدار من الواقعية والصّدقية.

وجمعت الرواية حيوات ثمانية أشخاص مجهولين. لم يسرد الراوي سيرهم الشاملة، بل مقاطع من سيَر تقارب سيرة سيرته كراوٍ، ومن خلاله سيرة الكاتب ميشون. وحكى ميشون عن حيوات كل من أندري دوفورنو، الذي عُهدت تربيته إلى أجداد الراوي، وحياة أنطوان بوليشي، الذي تخلّى عنه والده، وحياة أوجين وكلارا، جد وجدة الراوي، اللذين حاولا ملء غياب الفراغ الذي تركه والده، وحياة المراهقين الشقيقين باكروت، اللذين يلتقيهما الراوي في المدرسة.

وبدا الروائي الفرنسي من خلال سرده هذه الحيوات، حيوات هؤلاء الأشخاص المجهولين، كأنه يحاول “إحياءهم”، هم المجهولون والمقتلعون، في رواية كرّست نفسها عملا فريدا، بجوه وشخصياته الطالعة من عمق الذاكرة والزمن الهارب، وكذلك بفنيتها المتينة و”صنعة” مبدعها.

وأعاد فوزه بجائزة كافكا العالمية الشهيرة هذا الروائي إلى الواجهة الأدبية في فرنسا وأوربا، بعد “احتجابه” في الفترة الأخيرة عن المنابر، علما أنه فاز بجوائز فرنسية مهمة، منها “الجائزة الكبرى للرواية”، التي تمنحها الأكاديمية الفرنسية. غير أنّ فوزه بجائزة كافكا “فاجأ” الأوساط الأدبية في فرنسا، إذ لم يكن متوقعاً أن يفوز هو بها في مرحلة يحتل الساحة الروائية “نجوم” مثل ميشال ويلبيك وإميلي نوتومب وماري داريوسك وغيرهم.

ولعل ما يدعو إلى الاستغراب أن أعمال ميشون لم تُترجَم إلى العربية، بل ظل شبه مجهول لدى قرّاء العربية.

يشار إلى أن بيير ميشون أصدر روايات وكتبا عديدة، منها “حياة جوزف رولان” (1988) وفيها روى حياة ساعي البريد الذي كان بمثابة “موديل” أو عارض للرسّام فان غوغ، وقد رسمه في ست لوحات. وفي الرواية قارن بميشون ين بؤس الرسام واحتضاره في بلدة “أوفير سور لواز” وبين المصير المتخيل لهذه اللوحات الست بعد رحيل الرسام.

وفي رواية “رامبو الابن” (1991) التي كُتبت بطريقة متقطعة، يروي ميشون مصير الشاعر الفرنسي أرثير رامبو، صاحب “فصل في الجحيم”، الذي أسال الكثير من المداد، ولكنْ من وجهة نظر أو زاوية جديدة، تتمثل في نظرات أشخاص عرفوه في طفولته وأشخاص رافقوه في دروب الشعر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *