هناك الكثير الذي يكتب عن إفران. سجلت بعض الملاحظات في كناش، وهي عادة دأبت عليها منذ عقود، إذ يفترض ألا يعتمد الصحافي على الذاكرة، ذلك أن الاعتماد على الذاكرة ثقة زائدة لا يحتاج إليها صحافي ينتظر منه الناس أن يكون في بعض الأحيان شاهداً. لا أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه وأنما إلى أوراقي المكتوبة في أوانها تستعيد المشاهدات وأحياناً الوقائع كما جرت إيقاعاً ونبضاً وحساً.
ولعل من المفارقات أن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة.
حرصت على زيارة “ضاية عوا“، بعد أن سمعت بأنها كانت من أكبر البحيرات في المنطقة، لكنها للأسف جفت مياهها. بدا لي مشهداً محزناً، إذ تحولت البحيرة إلى أرض يباب.
كان هناك فتيان يتجولون في المنطقة وهم يمتطون خيولهم، يقترحون على الزوار ركوب الحصان ليجوب به البحيرة لقاء مبلغ زهيد. يمتثل الحصان لصيحات صاحبه حتى لو كان بعيداً.
سألت أحدهم ويدعى رشيد، كم تبلغ مداخليه من هذه المهنة،أجاب بانها في حدود مائة درهم في اليوم، ولكن عندما تتساقط الثلوج، ويكثر الزوار تصل إلى حدود أربعمائة درهم.
يقول رشيد إنه يمارس هذه المهنة منذ إن كان عمره 12 سنة، وهي يبلغ الآن17 سنة، يتابع في الوقت نفسه دراسته في المرحلة الثانوية.
كان في البداية يتجول بحمار، ثم اقتنى بعد ذلك حصاناً بمبلغ ثلاثة ألف درهم،وأطلق عليه اسم “مهند “، لكنه يقول إن السرج الذي على ظهر الحصان وهو من الصناعة التقليدية، يكون عادة أغلى من ” العود” وهو إسم الحصان الشائع في منطقة الأطلس المتوسط، وكذلك في مناطق أخرى.
قلت له بعض الأبيات الشعرية في مدح الحصان أو الفرس التي تطلق أيضاً على الذكر، وراقته كثيراً على الرغم من أنه كان صريحاً، إذ قال بأنه لم يفهمها جيداً.
قلت له ما قاله أبو الطيب المتنبي :
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
وكذلك بيت من امرؤ القيس :
مكـر مفـر مقـبـل مدبر معًا
كجلمود صخر حطه السيل من عل
وقلت جازماً إن أكثر الأبيات عمقاً، تلك التي قال بها عنترة :
فأزور من وقع القنا بلبــانه وشكـا إلي بعــــبرة وتحمحـــــــم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلـــم
لاحظت أن رشيد لديه معلومات كثيرة عن الخيول وطباعها، ولديه فراسة تساعده في معرفة ما إذا كان الحصان يمتاز بسرعة الجري.
وكما يقول المثل: لا يعرف الخيل إلّا ركابه.
طلحة جبريل: كاتب صحفي