إعداد: إلياس زهدي

ح. 21

الجوهر والمظهر
فرناندو سورنتينو (1942 -…)

 

في 25 يوليو، وأنا أحاول كتابة حرف “A”، لاحظت ظهور دمل صغير في خنصر يدي اليسرى.. وفي يوم 27، صار أكبر قليلا. في 3 غشت، وبمساعدة عدسة مُكبرة لصانع مجوهرات، صار بإمكاني تمييز شكله. كان على شكل فيل صغير للغاية، أصغر فيل في العالم، نعم. لكنه فيل مكتمل، حتى في أدق تفاصيله. وكان مشدودا إلى إصبعي بنهاية ذيله القصير، بحيث إنه، رغم كونه سجين إصبعي الخنصر، كان يتمتع بحرية حركة كاملة، وإن كان تنقّله يعتمد كليا على إرادتي فقط.

مُتردّدا، عرضته، بفخر ورهبة، على أصدقائي. ارتعبوا قليلا وقالوا إنه ليس جيدا أن يظهر للمرء فيلٌ فوق خنصره. ونصحوني باستشارة طبيب أمراض جلدية. لكني سخرتُ من نصائحهم، لن أستشير أحدا طبعا وليس لي أي شيء لأفعله معهم، لذا انصبّ تركيزي تماما على دراسة مراحل تطوّر الفيل.

في نهاية غشت، كان قد أصبح بالفعل فيلا، رماديا ووسيما، يمتد على طول الخنصر، وإن كان سميكا بعض الشيء. صرت ألهو معه طوال اليوم. أحيانا، كنت أستمتع بمشاكسته، أدغدغه وأدرّبه على تنفيذ بعض الحركات البهلوانية وعلى الشقلبة فوق عدد من الحواجز الصغيرة: علبة كبريت، مبراة، ممحاة.

في خضمّ ذلك، كان من المناسب أن أطلق عليه اسما. فكرت في عدة أسماء سخيفة -وربما كلاسيكية- تصلح لفيل: دامبو، غامبو، يامبو… وأخيرا، قررت أن أُسميه ببساطة «فيل».

صرت أحبّ أن أطعم «فيل»، أُلقي بفتات من الخبز على الطاولة، أوراق خس وقطع من العشب الأخضر. وهناك، بالقرب من الحافة، قطعة من الشيكولاتة. وكان على «فيل» أن يناضل للحصول على مكافأته، لكني كنتُ أُثبّت يدي بقوة، ولذا لم يستطيع «فيل» الوصول إليها. بهذه الطريقة، استطعتُ التأكُد من حقيقة أن «فيل» ليس سوى جزء -الجزء الأضعف- من نفسي.

ثم، بعد فترة قصيرة، بعدما صار «فيل» في حجم فأر تقريبا، لم أعد أستطيع السيطرة عليه بسهولة. بات خنصري مرهقا جدا إل حد لا يمكنني معه تحمل تهوره.

كنت لا أزال واقعا، في ذلك الوقت، تحت وهم أن الظاهرة تتعلّق فقط بمعدل نمو «فيل». وقد تحرّرتُ من هذه الفكرة بعدما وصل «فيل» إلى حجم حمَل. في ذلك اليوم كنت قد وصلتُ أنا أيضا إلى حجم حمَل.

في هذه الليلة -وفي ليال أخرى كذلك- صرتُ أنام على بطني ويدي اليسري تتدلّى من على السرير نحو الأرض، وبجواري ينام «فيل». بعد ذلك، بتّ أضطر إلى النوم متجها إلى أسفل، رأسي فوق رقبته وقدماي على ظهره، فوق «فيل» تماما. واكتشفت أن جزءا فقط من مؤخرته يمكن أن يتسع لي، بعدها ذيله، وبعد ذلك طرف ذيله، إذ صرت أُمثّل مجرد دمل صغير، غير محسوس بالمرّة.

حينذاك، بتّ أخاف من أن أتلاشى تماما، أن أتوقف عن أن أكون أنا وأصيرَ مجرد مليمتر في ذيل «فيل»، بعد ذلك لم يعد هذا الخوف ينتابني. استعدتُ شهيتي وتعلّمتُ أن أُطعم نفسي من بقايا الفتات، بحبّات طعام الطيور الأليفة أو بقطع من العشب والحشرات الطفيلية الضئيلة.

كان هذا في السابق طبعا. حاليا، أنا أحتل جزءا أكبر من المساحة الخالية على ذيل «فيل»، صحيح أنني ما زلت محكوما بجزئي، ولكنْ صار بإمكاني الآن أن أحصل على قطعة حلوى كاملة وأن أتسلى -في سرية- بالفرجة على الزوار العابرين في حديقة الحيوان.

أنا متفائل جدا في هذه المرحلة من اللعبة. أعرف أن حجم «فيل» قد بدأ في التقلّص، لذلك سكنني شعورٌ بالتفوق المتوقع تجاه المارة غير المبالين، ممن يلقون لنا بالبسكويت ظانين أن «فيل» وحده الموجود، لأنه كان واضحا للعيان، دون أن يَشُكّوا، لحظة، في أنه ليس أكثر من مجرد مظهر يُخفي وراءه جوهرا ما زال يكمن في الانتظار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *