شرفتني وزارة الثقافة مشكورة بتسيير النقاش يوم الجمعة 9/06/2023 بالمعرض الدولي للكتاب حول موضوع “فكرة الجامعة في المغرب: الواقع والمآلات”، وهو اللقاء الذي حضره جمهور غفير من الناس وأجاب فيه عبد اللطيف الميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عن جملة من الأسئلة الشائكة المطروحة. كما اعتذر عن الحضور الوزير السابق والبرلماني لحسن حداد، لوجوده في مهمة خارج البلاد.

مهدت للنقاش منهجيا من خلال طرح الموضوع في سياقه الدولي المتميز بأزمة “تداعيات جائحة كوفيد-19، الحرب الأوكرانية، ظهور سلع وخدمات كونية جديدة، الركود التضخمي، هشاشة منظومة الإنتاج الدولية والانتقال من اقتصاد الوفرة إلى اقتصاد الندرة، بروز قوى اقتصادية جديدة”، قبل أن أتعرض لتطور فكرة الجامعة والتعلم عبر التاريخ منذ العهد اليوناني القديم (توليد الأفكار عند سقراط، تكلم حتى أراك)، مرورا بالقرون الوسطى والكوجيطو الديكارتي والثورة الفرنسية، فالقرن التاسع عشر والثورة الصناعية، وبعد الحرب العالمية الثانية وتفاعلات فتح جدار برلين وما نتج عن ذلك من تغول قيم السوق والتشييء؛ لأعرج بعد ذلك في نقطة ثالثة على طرح إشكالية إصلاح التعليم العالي، حيث أبرزت ثلاث مقاربات تركيبية جوهرية سائدة:

1. مشروع الإصلاح هو الحل السحري لكل الأضرار التي تعاني منها الجامعة المغربية / المقاربة الاختزالية/ التقنية.

2. مشروع الإصلاح فاشل ولن يؤدي إلى نتيجة، اعتبارا لتوالي سلسلة الإصلاحات منذ الاستقلال، ولم تستطع الارتقاء بفكرة الجامعة إلى المستوى المطلوب في غياب تقييم حقيقي شامل للإنجازات والعيوب.

3. مكاسب تراكمية كثيرة للجامعة المغربية بصفتنا نتاج هذه الجامعة ونفتخر.

وبناء على هذه التوطئة طرحت وفق الحيز الزمني المخصص للقاء على الوزير عشرة (10) أسئلة كبرى صرحت للحاضرين بأنها تقلقني، وهي كالتالي:

1- لماذا يتوفر المغرب على رأس مال وإرث رمزي عظيم لمنظرين كبار في مجال فكرة الجامعة والتعليم ولا نجد لهم صدى في مشروع الإصلاح، وفي دواليب المؤسسات الجامعية؟ لماذا وكيف وما هي رؤية الوزارة في استثمار ذلك الإرث العظيم؟.

مثل رؤية من طينة: عبد الله إبراهيم، علال الفاسي (النقد الذاتي)، محمد عابد الجابري، عبد الله العروي (لغتنا هي صناعتنا)، عزيز بلال (الاستثمار ودور العوامل غير الاقتصادية في التنمية)، عبد الكبير الخطيبي (النقد المزدوج)، حسن زوال (إنسان الموقع Homositus)، فاطمة المرنيسي (أحلام نسوة / الكرامة)، المهدي المنجرة (التعلم طيلة الحياة)، محمد الحبابي (شباب الثمانينيات)، محمد عزيز الحبابي، محمد جسوس الذي حذر من مفهوم التبضيع والتضبيع ومخاطره على النشء، وآخرون.

2- لماذا لم يستطع المغرب ومعه الجامعة تصور جامعتهما وفق مقاربة متجانسة بصيغة الجمع، استنادا إلى معايير دولية على غرار الجامعات الكبرى التي طبعت التاريخ الإنساني؟ والمغرب يعد موطن أول جامعة (جامعة القرويين أسست عام 859 ميلادية) في التاريخ، بناء على تصنيفات كتاب غينيس للأرقام القياسية، وأقدم مؤسسة للتعليم العالي حسب اليونيسكو، وأول جامعة تمنح إجازة الطب في العالم. لماذا غفوة 1100 سنة لإنشاء جامعة محمد الخامس في 1959؟.

3- هل الجامعة مسؤولة عن هشاشة الاقتصاد في استيعاب الخريجين؟ وما حمولة البحث العلمي في بنياتها ومفاصلها الإنتاجية؟.

4- لماذا لا يلج الجامعات المغربية إلا 12 في المائة من الطلبة ما بين 19 و23 سنة نسبة إلى السكان مقابل 36.2 في تونس و20 في المائة في الجزائر و40 إلى 47 في المائة في أوروبا؟ وحتى هذه النسبة لا تستطيع المنظومة استيعابها في أحسن الظروف (اكتظاظ الاستقطاب المفتوح، عجز في المركبات الجامعية في مراكش والبيضاء وأكادير والدار البيضاء والرباط ووجدة ومواقع أخرى).

5- لماذا تم إخلاء وتفريغ البرامج التعليمية من مواد تنمي الفكر النقدي وتنمية شخصية الطالب مثل الاقتصاد السياسي، والعلوم الاجتماعية والتاريخ والفلسفة وشتى الإنسانيات بصفة عامة، والاتجاه نحو ترديد ملاءمة التكوين مع متطلبات السوق، في وقت تكتب الباحثة الأمريكية Martha C. Nussbaum L مارتا نوسبوم Not for Profit: Why Democracy Needs Humanities؟.

6-لماذا يوجد معدل التأطير البيداغوجي في الجامعات العمومية دون المعايير الدولية (مدرس واحد في المتوسط لـ 120 طالبا داخل المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح مقارنة بـ25 مدرسا بتركيا و45 بالهند)؟.

7- لماذا يعاني البحث العلمي من معضلة ضعف الموارد المرصودة (0.8 في المائة من الناتج الداخلي الخام)؟ (الميزانية المخصصة لبرامج البحث العلمي والتقني تمثل 1,6 بالمائة من الميزانية الإجمالية لسنتي 2021 و2022)، هل السبب يرجع إلى شح الموارد بالمغرب والبلد يزخر بقدرات وبثروات مهمة ومؤسسات عمومية ومقاولات كبرى يمكن أن تسهم في تحقيق طفرة نوعية في هذا القطاع الإستراتيجي؟.

8- لماذا لا تضاعف المقاولات المغربية الكبرى مساهمتها في تمويل البحث العلمي وتتضامن كل المؤسسات في تعزيز العرض الجامعي ودعم البحث العلمي، بصفته في كل الأوطان ركيزة التقدم والازدهار وكل تنمية إنسانية شاملة؟.

9- لماذا لا يتجاوز عدد الباحثين بالمغرب 1708 لكل مليون نسمة مقابل 2916 باحثا بالنسبة للبرازيل و1772 بالنسبة لتونس؟.

10- لماذا لم تستطع الجامعات الخاصة بالمغرب رغم توفرها على إمكانيات هائلة (خلافا للجامعات العمومية) تحقيق عقيدة علمية كبرى في النشر والإشعاع العلمي والتأليف والجدل الاجتماعي والديمقراطي؟.

لماذا؟ لماذا إذن؟.

محمد حركات أستاذ جامعي ومدير المجلة المغربية للتدقيق والتنمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *