أتطرق اليوم إلى واقعة من العاصمة السويدية، لها علاقة بالإعلام والقراءة. سبق أن زرت ستوكهولم ومكثت بها فترة.أدركت هناك يقيناً أن تحضر ورقي الشعوب الإسكندنافية مرده إلى أنهم شعوب تقرأ، خاصة السويد والنرويج والدنمارك.

قبل سرد الواقعة، أعتقد جازماً بصحة ومنطقية هذا القول: “الشعوب التي لا تعرف الكتابة والقراءة يسهل تضليلها”.  

واقعة السويد يمكن أن يربطها البعض إلى أمر له علاقة بالماضي، أقول مطمئناً يبدو لي الماضي أحياناً مثل مرآة السيارة تنظر إليها حتى تتأكد من طريقك نحو الأمام.

واقعة السويد تمثلت في تخصيص الحكومة ميزانية ضخمة للعودة إلى الكتاب الورقي في المدارس والجامعات بدلاً من الشاشات الرقمية المحمولة أو الثابتة، وكان المبرر في العودة إلى وسيلة من الماضي كما جاء في الأخبار، أن وزيرتي التعليم والثقافة، وضعتا خطة للعودة إلى استعمال الدفاتر والكتب الورقية بدلاً من الشاشات الرقمية، وحجتهما أن مستوى الطلاب في السويد أصبح ضعيفاً في مهارات القراءة والكتابة وسبب ذلك الاعتماد على الأجهزة المحمولة (laptop)  والأجهزة اللوحية كأداءة تعليمية بدلاً من الكتب والدفاتر الورقية، ونسب إلى الوزيرتين إقرارهما بضعف مهارات القراءة والكتابة للطلاب في السويد، حيث أظهرت الأرقام تراجع مهاراتهم في القراءة، وترى الحكومة السويدية أن مخاطر الأمر ليس على مستقبل الطلاب بل على مستقبل السويد.

تعتقد الوزيرتان أهمية القراءة والكتابة كأساس في النظام التعليمي وتراكم المعرفة، وأشارتا إلى سياسة حكومية جديدة لمواجهة هذه الأزمة من خلال العودة للكتب الورقية واستخدام الطلاب في المدارس الدفاتر الورقية والأقلام .

من الأمور اللافتة، التي قادت إلى العودة إلى الماضي، أي الدفتر والقلم، أن “المركز السويدي للمعلومات”، أفاد أن من بين الظواهر السلبية التي رصدها انخفاض قراء الصحف الورقية والإليكترونية.

في هذا الصدد، تشير الأرقام إلى أن معدل الساعات التي يخصصها الفرد في الدول الإسكندنافية للقراءة تصل إلى ست ساعات، وفي السويد لوحدها تصدر أربع وسبعون مجلة ورقية.

تعتقد النخب السويدية، أن المدارس والجامعات يفترض أن ترفد المجتمع “بالمثقفين” وليس فقط بالمتعلمين .

في ظني لا يكون الإنسان مثقفاً ومفكراً لتعاظم ألقابه العلمية، لكنه يصبح مثقفاً عندما يدخل مرحلة توليد الأفكار ونقدها وصياغتها. المثقف ليس من يلاحظ ويشاهد الأزمات والتفاعلات من حوله، لكن المثقف من يحاول أن يصنع مفهوماً أو نسقاً من المفاهيم  يحاول من خلالها فهم الظواهر وتفكيكها، ويجعلها تصورات ذهنية، من أجل فهم خصائصها وتوقع تفاعلاتها ومآلاتها.

ترى ما رأيي أهل الاختصاص في قرار السويد بالعودة إلى الكتاب الورقي والدفتر والقلم.

طلحة جبريل: كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *