رئاسة التحرير 

تنامت، منذ فترة، تنبؤات بعض من المتتبعين للشأن الحزبي الوطني وفئة من الفاعلين السياسيين والحزبيين، خاصة المصنفين ضمن خصوم (البام) السياسيين، تشير إلى  قرب ” نهاية الحزب” أو حتى ” موته”. 

وكلما سنحت الفرصة لهؤلاء للترويج لهذه النبوءة، إلا و فتحوا الباب أمام مصراعيه لتسويقها بغرض وحيد، هو النيل من حزب الأصالة والمعاصرة، ومحاولة إضعافه وإيهام الرأي العام الحزبي الوطني بهشاشة الحزب وفقدانه للمناعة الذاتية. 

لاشك ان التجاذبات والخلافات التي يعرفها حزب الأصالة والمعاصرة منذ بضعة شهور، أعطت زخما قويا لهذه التنبؤات، التي استخرج أصحابها أسلحتهم المعتادة من قبيل “خطيئة النشأة”، وما ” بني على باطل فهو باطل”، ليخلصوا في استنتاجاته المتسرعة والفارغة و غير المبنية على أية أسس، إلى أن الحزب في طريقه إلى “الزوال” ..

غير أن قيادة الحزب و واقع الممارسة السياسية يفندان  هذه المزاعم، وما يؤكد دحضها، هو أن حزب الأصالة والمعاصرة، يواصل ارساء مشروعه المجتمعي الحداثي في أفق المغرب الممكن، وأن ما يشهده من خلافات جاءت لتثبت على أنه حزب حي، وأن لديه المناعة الكافية التي تمكنه من تجاوز أزمته الراهنة، خاصة إذا ما تكتلت جهود كل البامييين الغيورين على التنظيم. 

لذلك لا تجد القيادة الشرعية والغيورين على مؤسسات الحزب، أدنى حرج في الجزم، ولعلهم على صواب، بأن الأصالة والمعاصرة سيخرج من هذه الأزمة أكثر قوة، وأن المشهد الحزبي الوطني في حاجة إلى (البام)، ليواصل ممارسة أدواره وتحقيق الأهداف التي تأسس من أجلها، ولضمان التوازن السياسي المنشود، والقيام بوظائفه باعتباره القوة المعارضة الأولى وثاني قوة سياسية في البلاد.

إن الذين يتمنون زوال ( البام) هم أولئك الذين يتطلعون إلى فرض هيمنتهم على الحقل السياسي، وفرض التوجه الوحيد في البلاد، و إلغاء التعددية السياسية التي ناضل من أجلها المغاربة لفترة عقود من الزمن، هم أولئك الذين يسعون إلى فرض أيديولوجية تمتح من معين الإسلام  السياسي المتطرف الرافض لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

لقد واجه المؤتمر التأسيسي لحزب الأصالة والمعاصرة تحدي الوجود في بيئة حزبية متوجسة، لم تتقبل، في مجملها آنذاك عرضا سياسيا وليد السياقات الواعدة للعدالة الانتقالية، و تفاعلا واعيا و إراديا مع آمال المصالحات الثقافية والمجالية ومع آمال التحديث التي حملها، ولازال، العهد الجديد منذ 1999.

و واجه المؤتمر الثاني، تحدي الاستمرار في محيط سياسي، حاول أن يجعل من حزب”تامغرابيت”، الذي لم يمض حينها على تأسيسه ثلاث سنوات، “كبش فداء” لخطايا الحقل الحزبي المغربي، منذ الاستقلال إلى اليوم. 

و واجه المؤتمر الثالث تحدي الوقوف،انتخابيا وبرنامجيا، سدا منيعا في وجه المخاطر الزاحفة التي هددت ولا زالت قيم المجتمع الديمقراطي، و على رأسها مخاطر الاستثمار الحزبي في الرأسمال الرمزي المشترك الذي يجسده الدين الإسلامي، وما يمثله ذلك من مخاطر، طويلة الأمد، لا يمكن تجاهلها تحت تطبيع خادع، على الديمقراطية المغربية، وعلى تماسكنا الاجتماعي، وعلى تنوعنا الثقافي وعلى نموذج الإسلام المغربي، وفي الأخير، لا قدر الله، على أسس شرعية النظام الدستوري الذي ارتضاه المغاربة، والذي يتأسس، من ضمن مرتكزات أخرى، على الاختصاص الحصري لإمارة المؤمنين في المجال الديني.

لذلك لا ريب ان حزب “التراكتور” سيمضي نحو مؤتمره الوطني الرابع  تحت شعار مركزي هو الانبعاث الجديد، الذي من شأنه أن يشكل السبيل الوحيد نحو نهضة الحزب الثانية، وسيعبد الطريق أمام التنظيم ليواجه التحديات والإكراهات التي تنتظره حاضرا ومستقبلا..لكن هل يتأتى له ذلك وهو على وضعه الحالي؟ بطبع، لا. لذلك، فأمام الحزب الآن خياران لا ثالث لهما..

أن يتمكن (البام) من تسوية خلافاته الداخلية، وان تلتف مناضلات ومناضلو الحزب حول القيادة الشرعية للحزب ومؤسساته، بما يمكن من إعطاء زخم قوي للتنظيم  ويعزز أداته التنظيمية ليكون فاعلا في الحقل السياسي ويلعب أدواره كاملة تحت قيادة قوية وبصف موحد وإرادة قوية في استعادة المبادرة والحفاظ على موقعه في المشهدين  السياسي والانتخابي، ومواجهة المخاطر المحدقة بنموذج الإسلام المغربي….

وغني عن البيان، أن حزب الأصالة والمعاصرة، ولد في بيئة حزبية لا ترى جدوى أي عروض سياسية جديدة، ونما في بيئة فكرية، يراه فيها المحافظون، من مختلف المستويات والألوان والمواقع خطرا داهما، ويعتبره فيها الليبراليون والمركب الاقتصادي المصالحي- الريعي المرتبط بهم مجرد “حزب إضافي”، بل ومهدد لنهجهم غير القائم على فضائل اقتصاد السوق الاجتماعي وقيم العدالة الاجتماعية، في الوقت الذي تنأى فيه أغلب قوى الحداثة واليسار عن العمل المشترك مع الحزب ولو في نطاق القضايا والقيم التي تجمعها بمشروع “البام” رؤى مشتركة.

وهكذا ساهم، السياق الصعب الذي ولد فيه الحزب ونما فيه، بأشكال مختلفة، في تأخر مسار عدد من الاستحقاقات التنظيمية والبرنامجية التي من شأنها توطيد ما حققه الحزب من مكتسبات.

وعلى الرغم من كل الصعوبات المشار إليها، فلقد أصبح وجود الحزب وموقعه الوازن في المشهد السياسي أمران مسلمان بهما، خاصة مع  تمكن الحزب من البقاء بعدما تمنى البعض زواله، و تمكن، بالتالي، من الوقوف، انتخابيا، في وجه مد زاحف كان يهدد في سنتي 2015 و2016 بالتحول إلى أردوغانية مغربية لا فكاك منها إلا على المدى المتوسط على الأقل.

غير أن عددا من التحديات الأخرى، ما تزال تستلزم منه مجهودا جماعيا مضنيا لرفعها، مثلما تتطلب نفسا طويلا من المناضلات والمناضلين الأوفياء لمنطلقات وقيم التأسيس. 

لذا سيكون المؤتمر الرابع للحزب، مؤتمرا للانبعاث، انبعاث عرض سياسي يساهم، إلى جانب العروض السياسية الحزبية الديمقراطية-الدنيوية الأخرى، في تقديم عناصر إجابة وحلول عملية لممارسة الأحزاب السياسية لأدوارها الدستورية.

لقد كان قدر حملة مشروع حزب الاصالة والمعاصرة،  أن يبنون الحزب، تحت نيران سياق صعب وغير مُوات. 

قدرهم، أن واجهوا على مدى عشر سنوات خصوما بألوان مختلفة. 

قدرهم، اليوم أن يمضون ويستمرون في مواجهة أولئك الخصوم، ومواجهة من اصطف- موضوعيا- إلى جانبهم من معاول الهدم الداخلية. 

ولذلك لا الخوف على البامبيين ولا هم يحزنون، وهم يسلكون بكل ثقة، طريق الإنبعاث. الطريق إلى مؤتمر حزبهم الموحد.. الطريق المؤتمر الرابع..

أما كهنت ضريب “خط زناتي” تنبؤاً بموت (البام)، فيبدو أنهم سيعرفون بعد رحيل العمر. بأنهم كانوا يطاردون خيط دخان.. لكن متى؟ بعد رحيل العمر. واتنسى تحقيق وهم موت (البام)..بعد رحيل العمر ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *