شعرت بالراحة لأول مرة منذ أسبوع، وقد اطمأنت نفسي إلى أن مضيفي صديق، وأنه يبذل جهده لمساعدتي، فاستغرقت في نوم عميق، لم يوقظني منه غير صوت أحدهم “إبطشي” في الأرجاء. ( سلمة)
*أعدها للنشر: أحمد حمدان
في هذه الحلقات المثيرة جدا، والتي أعدها مصطفى سلمة ولد سيدي مولود، الناشط الصحراوي الحقوقي والسياسي المبعد من مخيمات تيندوف إلى موريتانيا، يروي والده، المجاهد سلمة سيدي مولود، كيف التحق بأول كتيبة لجيش تحرير الجنوب، قطعت عمق الصحراء بهدف إسقاط القاعدة الجوية الفرنسية في مدينة “أطار” شمال موريتانيا … كانت بقيادة محمد بنحمو المسفيوي، قبل أن يخلفه علال لخميسي، ومعه عْلي المسفيوي نائبا له.
انضم إليهم سلمة سيدي مولود، وسار بهم، في فبراير 1957، دليلا عبر أودية الساقية الحمراء إلى ضواحي مدينة السمارة، ومنها سيكون الانطلاق نحو الهدف، في ظروف طبيعية وعرة، ما بين صحارى قاحلة، وجبال ومغارات وأحجار، وجِمال وبنادق ورشاشات… وفي هذه الطريق، ستلاقي الكتيبة الأهوال، جنود فرنسيون ومجندون موريتانيون وطائرات وقنابلها الجحيمية، إنها “القيامة الآن” (Apocalypse Now)، مع فارق: أن المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا يرويها في فيلم، والمجاهد الصحراوي سلمة سيدي مولود يرويها في معركة حياة أو موت دارت رحاها على أرض الواقع.
ما العمل وأنا غريب شريد مطارد في هذه الديار؟
يوم 23 فبراير 1957.. أخذت امتعتي، وذهبت إلى “القلب”. صعدت قمته. وتشبثت بالأرض. أراقب ماذا يفعل مضيفي.
مع بداية الصبح. أخذ الرجل ماعزه وسار بها على خطواتي حتى صعدت جزءا من “القلب”، ثم أعادها إلى الخيام. فهمت أنه يريد محو أثري.
بعد عودته إلى خيمته شاهدتهم يجمعون أمتعتهم ويشدون على جمالهم ويرحلون إلى مكان آخر غربا.
شعرت بالراحة لأول مرة منذ أسبوع، وقد اطمأنت نفسي إلى أن مضيفي صديق، وأنه يبذل جهده لمساعدتي، فاستغرقت في نوم عميق، لم يوقظني منه غير صوت أحدهم “إبطشي” في الأرجاء.
رفعت رأسي أتبينه، فإذا هو مضيفي عند السفح يعلمني بقدومه، فأجبته بصفير (بطش) من جانبي.
صعد إلي في الأعلى، وقد أحضر معه إبريقا فيه حليب ماعز.
سألني: ماذا سنفعل؟. فنحن قد ارتحلنا عن هذا المكان، كما ستكون لاحظت.
قلت له: العلم لله ولك، فأنا غريب شريد مطارد في هذه الديار.
قال: زين. انزع ملابسك الملطخة بالدماء.
فعلت ما طلب مني، وبقيت أرتدي الجبدور الذي أعطاه لي في الخيمة السابقة.
اخذ ملابسي القديمة ولف فيها السلاح وخبأه في شق بالجبل ووضع معه حقيبة الرصاص والخنجر وغطاهم بالحجارة.
أعطاني عكازا وقال لي: هيا اهبط أمامي. سنذهب إلى الخيمة.
لاحظت انه يمشي على آثار اقدامي حتى يخفي الأثر. وكانت رجله أكبر من رجلي.