عند وصف مسلسل “جعفر العمدة” بأنه “نسخة محمد رمضان من الحاج متولي”، فإنها ليست مبالغة لا في حق مسلسل نور الشريف الشهير “عائلة الحاج متولي”، ولا في حق الممثل المصري محمد رمضان، الذي دأب منذ نجاحه على تقديم شخصيات درامية تشبه أفكاره عن نفسه والعالم، فخرجت أعماله لا تنتمي إلى أنواع سينمائية أو تلفزيونية بذاتها، بل يمكن إطلاق اصطلاح “نوع” (Gener) جديد خاص فقط بمحمد رمضان كلما ابتعد عنه فشل جماهيريًا وتجاريا.
“جعفر العمدة” أحدث مسلسلات محمد رمضان التلفزيونية، ويُعرض خلال الموسم الرمضاني 2023، من إخراج وتأليف محمد سامي، وبطولة زينة وهالة صدقي ومنة فضالي وإيمان العاصي ومي كساب، واستطاع جذب شرائح واسعة من الجماهير سواء المعجبة أو الساخرة.
نسخة محمد رمضان من “عائلة الحاج متولي”
يشبه مسلسل “جعفر العمدة” مسلسل “عائلة الحاج متولي” في العديد من الأوجه؛ فكل من العمليْن حول رجل من بيئة شعبية، لكنه تاجر ميسور الحال، له 3 زوجات، يبحث عن الرابعة التي يضيف وجودها إلى الحبكة الكثير من التشويق.
في “عائلة الحاج متولي”، يختار البطل حبيبة ابنه التي ترفضه فيحرمها عليهما معًا، ثم يتزوج صديقتها الشابة الطامعة ويصبح الخلاص منها جزءا من الكوميديا، بينما في “جعفر العمدة”، تكون الزوجة الرابعة هي عايدة (زينة) ابنة الطبقة الراقية التي تتزوجه كذلك طامعة بأن يساعدها في إخراج والدها من السجن بسداد ديونه.
كلا الرجلين يضع زوجاته في بناية واحدة، وله شقته المنفصلة في الأعلى تصعد إليها زوجاته تبعًا للجدول المتبع، ولكل منهن شخصيتها الخاصة، لذا تتضارب المصالح والطباع والطبقات، فتخرج المواقف الكوميدية من هذه التفاعلات.
لا يمكن أن نقول “جعفر العمدة” نسخة شعبية من “عائلة الحاج متولي”، فكلا العملين من المفترض أن ينتمي إلى البيئة نفسها على اختلاف زمن إنتاج المسلسل، “جعفر العمدة” ليس “نسخة شعبية”، بل يمكن أن نطلق عليه “نسخة رمضانية” نسبة إلى محمد رمضان بطله، الذي تحمل أعماله والشخصيات التي يقدمها سمات خاصة يصبغها على كل منها قدر استطاعته.
محمد رمضان -المثالي- رجل من بيئة شعبية، قوي للغاية، قادر على ضرب عشرات الرجال بسهولة بالغة، ولكن يتميز بصفات الشهامة الشديدة التي يُطلق عليها بالعامية المصرية “الجدعنة”، تقع في حبه النساء بالسهولة ذاتها التي يكتسب بها عداوات الرجال، الذين يتطاير منهم الغيظ من نجاح وقوة وجاذبية شخصيته، فيحاولون هدمه بشتى السبل.
أثبتت هذه الشخصية نجاحها، فأصبحت تميمة حظ محمد رمضان، وصبغة يضفيها على أي دور يؤديه؛ ففي فيلم “الكنز” بجزءيه -ويعتبر دراما تاريخية- أدى دور علي الزيبق بالطريقة ذاتها التي يقدم بها ابن الحارة الشهم في أعمال مثل “لزلزال” و”البرنس”.
السؤال الذي يُثار هنا: لماذا نجح “جعفر العمدة” في الوصول إلى هذه القاعدة الجماهيرية الضخمة مع أنه إعادة تدوير لكل من شخصية الرجل المزواج وشخصية محمد رمضان ذاتها؟
محمد سامي ورمضان.. أيقونة النجاح
تعد ثنائية المخرج محمد سامي والممثل محمد رمضان من الأكثر نجاحًا خلال السنوات القليلة الماضية، وتعاونهما السينمائي والتلفزيوني وضع نقطة بداية جديدة لمسيرة كل منهما.
قبل محمد رمضان، قدّم محمد سامي أعمالا، بعضها لا يتذكره الجمهور الآن مثل فيلم “ريجاتا” أو مسلسل “كلام على ورق” مع هيفاء وهبي، وبعضها حقق نجاحا معقولا مثل “مع سبق الإصرار” و”آدم”، بل استطاع الجمهور تمييز بصمته البصرية بسهولة مثل استخدامه زوايا الكاميرا غير المعتادة كما في مسلسل “كلام على ورق”، أو الديكورات المبهرة مثل “حكاية حياة”.
ثم أتت النقلة الكبرى بتعامله مع محمد رمضان في مسلسل “الأسطورة” في العام 2016، والذي اكتسب شهرة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي بالمشاهد واللقطات المقتطعة منه. تعاون رمضان مع سامي مرة أخرى في فيلم العيد “جواب اعتقال”، ثم مسلسل “البرنس”.
وبدأت شهرة محمد رمضان كنجم شباك ووجه يستطيع التنقل بسهولة بين السينما والتلفزيون محققًا النجاح في كليهما على التوازي بأفلام “عبده موتة” و”الألماني” عام 2012، ولكن أدواره المفضلة كابن البلد القوي جاءت مع أعمال محمد سامي التي جعلته منافسا قويا في أي موسم.
حاول كل من محمد سامي ومحمد رمضان العمل مع شركاء آخرين، لكنّ كلا منهما لم يجد النجاح ذاته، وظهر هذا بشدة في آخر موسمين لمحمد رمضان بمسلسل “المشوار” في العام 2022 مع المخرج محمد ياسين و”ملحمة موسى” في 2021 مع المخرج محمد سلامة، في كل منهما حاول البطل الانسلاخ عن جلده قليلًا وتقديم مساحات مختلفة، ولكن لم يلاق سوى فتور من المشاهدين.ذ
في حين اتجه محمد سامي للعمل مع أحمد السقا في “ولد الغلابة” ثم “نسل الأغراب” في 2021 بمشاركة كل من السقا وأمير كرارة، كلا المسلسلين لم يحظ بقبول جماهيري مشابه لما وصل إليه مع محمد رمضان، بل إن الفيلم الأخير أثار السخرية أكثر من الإعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي، وظنه الكثيرون نقطة النهاية لمسيرة المخرج.
مثلت عودة كل من محمد رمضان ومحمد سامي معًا بـ”جعفر العمدة” نقطة نور في آخر النفق، أو محاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالنجم ذو الشعبية التي كانت طاغية منذ سنوات يحاول استعادتها، في حين أن المخرج الذي ثار الكثير من اللغط السلبي حوله بعد مسلسله الأخير، يرغب في عودة منتصرة مع نجمه المفضل.
يحتوي “جعفر العمدة” على كل العوامل التي تضمن نجاحه، وكل ما ميز مخرجه وبطله تم جمعه وإعادة صياغته وتقديمه في حلقاته، يداعب الطبقات الدنيا بتقديم بطل يشبههم لكنه غني بشكل فاحش، فيعطيهم حلم الثراء يومًا ما، أو على الاقل يجدون شخصًَا يمثلهم يعيش الحلم المستحيل، يقدم الإثارة والميلودراما -الرخيصة في بعض الأحيان- بشكل مستمر، فينهي كل حلقة بمفاجأة من العيار الثقيل ليضمن استمرار متابعة الجمهور.
نجد في مسلسل “جعفر العمدة” مشاهد أكشن في كل حلقة، بالإضافة إلى كوميديا صراع الزوجات على الزوج، وفجاجة بعض الألفاظ غير المعتادة على الشاشة الصغيرة، كل ذلك يعتبر “توابل وبهارات” تضمن بقاء المشاهدين أمام الشاشات حتى لو كان ما يشاهدون لا يعجبهم تمامًا ولكن الأهم أنه يجذبهم، مما يزيد بالطبع من عدد المشاهدات واستخدام وسوم المسلسل على مواقع التواصل، والأهم شهرة كل من المخرج والممثل، وعودتهما عودة المنتصرين.
لمياء رأفت: الجزيرة