ثلاثة أحزب مغربية تنتمي إلى (المعارضة)، وهي التقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، والعدالة والتنمية، قررت عبر فرقها في مجلس النواب، التقدم بطلب تشكيل لجنة تقصي حقائق، حول إستيراد الغازوال الروسي.

 مبدئيا، من حق المعارضة، ممارسة الرقابة على الحكومة، ولعب أدوارها الدستورية والانتدابية بكل حرية وديمقراطية، وهذا ما لا يُمكن لأي ديمقراطي أن يطعن فيه.

لكن ثمة حقائق، عدة حول هذه المبادرة وجب الوقوف عندها.

قبل ذلك، أفتح قوسا لأقول، (معلوم أن المصداقية التي تتأسس على عنصر الثقة أولا تبقى هي المحرك الأساسي لإنجاح أي مبادرة، وهذا ما يساءل في المقام الأول مصداقية الشكل قبل الموضوع والثقة في الطالب قبل الثقة في المطلوب منه). أغلق القوس.

لعل أولى الحقائق المثيرة للإنتباه في هذه المبادرة البرلمانية، قول بلاغ الفرق الثلاثة، إن: (إطلاق مبادرة السعي نحو تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق، يُـناط بها جمع المعلومات المتعلقة بـ: ”واقعة استيراد الغازوال الروسي، والشبهات المرتبطة بمدى شفافية عملياتها وسلامتها ومشروعيتها”).

لاحظ معي أن طلب من قيمة تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق، أسسه أصحاب البلاغ، على “مجرد شبهات”، ولم يذكروا أن الطلب أسس على ملف أو ملفات.

معطى، كاف، للتأكيد من جديد، على فقر وتيه أحزاب المعارضة الثلاث، والقول بأنها في وضع المتألم داخل حفرة المعارضة.

 سياسيا، أكاد أجزم أن جزء من هذه المعارضة، باتت تخبط خبطا عشوائيا، وتحاول ممارسة الضغط العالي على الحكومة، حتى لا أقول شيء أخر، ليس من أجل المواطن الذي رمى بها إلى القاع في انتخابات 8 شتنبر2021، ولكن من أجل العودة للحكومة بأي ثمن لتفادي الهلاك السياسي الحتمي.

وإلا كيف يمكن، لأحزاب مُجربة في العمل السياسي والبرلماني والحكومي، أن تُهدر الزمن النيابي للبرلمان، وتُشغل مؤسسة مجلس النواب، بمبادرة رقابة مؤسسة على وقائع وهمية، أو قل شبهات كما جاء في بلاغها الذي لم يبلغ شيا غير إفراغ ما تبقى للرقابة البرلمانية من مصداقية.

لن أقف كثيرا، عند ما ورد من أعطاب، في بلاغ ثلاثي هذا التحالف غير المقدس، لأن الفقهاء يقولون ما بني على باطل فهو باطل، وسيدنا لولا قالو “إلا بانت المعني لا فائدة من التكرار”.

لذلك سأتوجه الى ثاني الحقائق، والتي تتعلق، بالصفعة التي تلقتها هذه المبادرة الميتة في المهد، من مكون أساسي من مكونات المعارضة، الأمر يخص الفريق الاشتراكي في مجلس النواب.

لقد عرض إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي، على عبد الرحيم شهيد رئيس الفريق الإشتراكي، الإلتحاق بالمبادرة، التي تحتاج لقيامها توقيع ثلث أعضاء مجلس النواب، فطلب شهيد من السنتيسي، إنتظار عرض الأمر على المكتب السياسي.

إجتمع المكتب السياسي، لحزب الاتحاد الاشتراكي، برئاسة إدريس لشكر، وخلص الى تجاهل عرض الحركي السنتيسي ومن معه، علما أن النائب الاتحادي عبد القادر الطاهر هو من كان أول من وجه سؤالا للحكومة، حول استيراد المغرب للنفط الروسي، والتي قدمت بكل شجاعة ومسؤولية جوابها حول الموضوع.

إذن، أي مصداقية بقيت لهذه المبادرة، أمام هذه التطورات، وأمام صفعة الاتحاد الاشتراكي؟ أم أن هناك من يُصر على ممارسة معارضة “نقية”، وهناك من يحرص على ممارسة معارضة ” التقلية”.

الحقيقة، الثالثة، وتتجلي في تسول فرق أحزاب (التقدم والاشتراكية، والحركة، والعدالة والتنمية)،  توقيعات إحياء عظام هذه المبادرة، وهي حطام، بعدما ماتت المبادرة بين أيديهم.

لقد فتحت هذه المعارضة، باب التوقيع على مبادرة ميتة، أمام عضوات وأعضاء مجلس النواب حتى من الأغلبية. وهذا تعبير صارخ على فقدان البوصلة..

 كيف يمكن أن تقنع، هذه المعارضة التي إبتلي بها المغاربة في زمن المسخ والبؤس السياسي وما تظنون، أعضاء من أحزاب الأغلبية، من أجل التوقيع على مبادرة/ورطة، والحال أنها لم تستطيع أن تقنع حتى نواب في المعارضة؟..

المغرب وإستيراد الغاز الروسي.. القصة الكاملة لشحنات الإمبراطور بنبراهيم

 دابا على من كيطنزوا؟.

الحقيقة، الرابعة، هي إصرار هذه المعارضة، التي لا يربط بينها رابط سوى رابط المشاركة في الحكومة المتلحية التي يؤدي المغاربة اليوم نتائج سياستيها منذ 10 سنوات عجاف، على ممارسة معارضة “غير بناءة”. وهو ما فطنت إليه قيادة الاتحاد الاشتراكي في إجتماعها الأخير.

وإلا فما معنى، أن تقوم هذه المعارضة، بلعبة خلط الأوراق، بشأن موضوع لا يحتاج إلى تأويل بعدما قدمت الحكومة بشأنه عن طريق وزارة الاقتصاد والمالية جوابها الرسمي، ونفت ما جاء في سؤال النائب الاتحادي بخصوص ما قال إنها مخالفات عرفتها عملية إستيراد الغاز الروسي.

الظاهر، أن هذه المعارضة المبرقعة، (المشتتة)، عينها في حاجة أخرى؟ في وقت لا تحتمل فيه طنجرة البلاد في ظل الأزمات الموروثة عن الحكومات السابقة والجائحة والحرب في أوكرانيا، وسنوات الجفاف..  مزيذا من الضغط، غبر هكذا مزايدات غير عقلانية.

 والحقيقة، الخامسة، في تقديري، تكمن في جُبن هذه المعارضة، وعدم ثقتها في نفسها، من أجل وضع النقط على حروف هذه المبادرة، وتسمية الأشياء بمسمياته، بشأن الجهة أو الجهات التي تستهدفها بفزاعة تشكيل لجنة تقصي الحقائق.

 لماذا؟

 لأنها معارضة، تكاد تكون والحالة هاته، معارضة تصفية الحسابات، لا معارضة نقد ومراقبة السياسات، وهذا منزلق سحيق، لا يمكنه إلا أن يُدفن ما تبقى من مصداقية، لفرق برلمانية، تمثل أحزاب، يوجد على رأسها أمناء عامون، يعرفونهم المغاربة، حق المعرفة.

أمناء، أحدهم يتمتع بتقاعد من 7 ملايين في الشهر ويشتكي من غلاء جاء نتيجة سياسة حكومته، وآخر عصف به زلزل تعثر المشروع الملكي الحسيمة منارة المتوسط ولم يحظى قط بثقة المغاربة في جميع الانتخابات التي ترشح فيها، والثالث كرطته كراطة مونديال الأندية، من عضوية الحكومة الملتحية.

واش دابا بهاد الكائنات السياسية، عفوا الزعمات السياسية، غادي يثقوا المغاربة في المعارضة والبرلمان وفي هكذا مبادرة ميتة؟.

وطالما نتحدث عن أحزاب، (التقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية، والحركة الشعبية)، أقول بكل غيرة سياسية، لقد ماتت المعارضة، بموت زعمائها الكبار، علي يعتة والخطيب، وأحرضان..

إن المنطق، الذي تشتغل به المعارضة البرلمانية الثلاثية، على عهد الأمناء، بنعبد الله وأوزين وبنكيران، أسقطها في أزمة الثقة، بدليل الموت المبكر، لدعوتها الى تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول إستيراد الغاز الروسي، وتجاهل نواب وفرق من المعارضة قبل الاغلبية لدعوتها.

ولما كان الأمر كذلك والحالة هاته، فإن المغاربة مع هكذا معارضة، “محزمين بالخاوي”.. بالمقابل الحكومة تراكم التمتع بالدعم السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *