في أزمور، أو ماخور لمزاليط في دكالة، عديدات هن من النساء في أعمار مختلفة من يستعرضن خبرتهن في نقش أيادي وأكتاف الزبناء بالحناء وحتى مؤخرات الراغبين في الحصول على نقش أو وشم يفتن عيون الآخرين.

أزمور- أيوب حميتو

أول ما تلج أزمور، تلك المدينة الشعبية بامتياز والضاربة في عمق التاريخ، التي شكلت علقما تجرع مرارته المستعمر البرتغالي الذي استوطن ذات عهد دروبها وأزقتها، تستقبلك يافطة حذفت أغلب حروف الكلمات رُسم عليها شعار إحدى الإلترات الكروية، مرصع بكلمة نابية…

ويكاند في أزمور

 في رحلة ويكاند في أزمور، كنت أنا وأصدقاء لي، دخلنا مدينة، تكاد تكون مدينة الجنس والباحثات عن “العزارة” و “الشرويطة” وقاصدات مولاي بوشعيب.

عرجنا بسيارتنا على يمين المدار الرئيسي بالمدينة، هناك حيث تعالت أصوات الباعة المتجولين التي امتزجت بضجيج منبهات الطاكسيات.

 غير بعيد عن المحطة الطرقية، نسوة وأطفال يحملون في ايديه مفاتيح، وهم يصيحون بأعلى صوتهم “خويا باغي تكري”.

 ترجلنا من السيارة واستفسرنا عن ثمن الكراء للية الواحدة فأجابتنا إحدى السيدات “واش بغيتوها عامرة ولا خاوية”.

الأحاديث هنا بالمرموز، كلمات مشفرة تتقاذفها الألسن، وكيد لكل شيء ثمنه. الشقة “العامرة” يفوق ثمنها بكثير الفارغة وحتى “العامرة” تختلف حسب نوع ورغبة الزبون وسخاء جيبه ورغبته في قضاء أوقات ممتعة. حسب تفسير إحدى العارفات.

واصلنا الطريق إلى وسط مدينة، تبدو كما لو كانت سيدة جميلة فقدت عذريتها جراء إغتصاب جرامي.

 في إحدى الشوارع، استقبلنا “سي عيد” الرجل المختص في قضاء كل الأغراض وتوفير كل المستلزمات، صعد سيارتنا واتجهنا إلى حيث دلنا.

وصلنا الى منزل يبدو أنه حديث العهد وسط حي شعبي آهل بالسكان.

 ولجنا بعد أن عرفنا مرافقنا “سي عيد” كما يلقبه الجميع على صاحبة المنزل، قائلا لها: “هاذو ألحاجة هما الدراري لي قلت لك و راهم معرفة ديالي من زمان و الله يعمرها دار و على حسابي غير تفاهمي معاهم”.
 بهكذا كلمات نطق مرافقنا قبل أن نتفحص غرف الشقة وتجهيزاتها و نؤدي واجبها لصاحبة المنزل.

الإيجار هنا في أزمور يشكل مورد رزق هام لأغلب أصحاب العقارات خاصة في فصل الصيف حيث يفوق الطلب العرض.

 الأثمنة في المتناول، لكن، قد يصل ثمن الشقة في بعض الأحيان لأكثر من 500 درهم لليلة الواحدة.

بيوت الكرا.. كل شي تما

 عديدون هم من يلجؤون إلى السكن بغرف السطوح وتأجير شققهم للزوار.

 في حديثنا مع الحاجة أكدت لنا أنها تلجأ في الصيف للذهاب عند أختها بقرية مجاورة وتكتري كل غرف منزلها حيث يعد الإيجار مورد رزقها الأول.

إنها تجني في عطلة الصيف ما يقارب الثلاث ملايين سنتيم من واجبات الكراء تعينها على عوائل الزمن فيما تبقى من فصول.

غادرنا الحاجة وبيتها، وتوجهنا نستطلع أحوال وأهوال مدينة تعيش على طي التهميش والنسيان.

 أزبال متراكمة في كل حدب وصوب، أشجار مقتلعة وبنايات آهلة للسقوط، شوارع محفرة، كما ولو أنها لواحدة من البلدان التي خرجت لتوها من حرب أهلية…

أرصفة غير مرصفة وطرق غير معبدة، اكتظاظ في شوارع، وما هي بشوارع، وباعة يجولون طولا وعرضا يعرضون ما لذ وطاب..

النقش على المؤخرات كذلك

نقاشات الحناء، يطلقن العنان لحناجرهن بحثا عن زبناء مفترضين.

 اقتربت إحداهن منا وفي يدها “إبرة” نقش وبقايا الحناء وهي تقول كلام يوحي بكل شيء: شي طاطواج أخويا؟ لي حب الخاطر موجود…

في أزمور، عديدات هن النساء في أعمار مختلفة من يستعرضن خبرتهن في نقش أيادي وأكتاف وحتى مؤخرات الراغبين في الحصول على نقش أو وشم يفتن عيون الآخرين.

 على طول الشارع الرئيسي بوسط المدينة، يصطففن فرادى وجماعات، جالسات على كراسي صغيرة الحجم.

 عادة ما يتخذن أغلبهن النقش كغطاء لأعمال أخرى كما حكى لنا أحد تجار المنطقة.

 فهن بغض النظر، عن كونهن نقاشات، إلا أن منهم من يشتغلن وسيطات أو حتى عاملات جنس لمن يبحث عن قضاء لحظات من النزوة العابرة بثمن بخس.

تركنا النقاشات وعوالمهن الغارقة في البؤس، توجهنا صوب إكتشاف ما يجري ويدور خلف ستائر أضرحة المدينة، وأسرار الباحثات عن “العزارى”.

زيارة أزمور ليست لها معنى بدون أن تمضي وقتا بفضاءات الولي الصالح مولاي بوشعيب ولالة يطو ولالة عايشة البحرية.

المدينة تضم 14 زاوية دينية، وهو الأمر الذي يثير الاستغراب حيث تكاد تنعدم جليا مظاهر التدين والاستقامة في شوارع المدينة..

ماخور المزاليط

عري وفساد وفسق وفجور وليالي ماجنة بدراهم معدودات..

نحن أمام ضريح مولاي بوشعيب، تقول الرواية، نسوة كثر يقصدن المقام، بحثا عن الولد الذكر أو”العزري”.

 عديدة هن النسوة اللواتي، سقطن في كمين شعوذة إنتهت باغتصاب وحمل من صلب شباب غلاظ شداد، يتربصون بمثل هؤلاء الوافدات.

 تحيط بضريح مولاي بوشعيب بيوت واطئة تستقطب هواة المتعة الهاربة..

 نساء وفتيات من كل الأعمار، يتخذن من الشارع المؤدي إلى الضريح مكانا لاصطياد الزبائن مقابل قضاء بعض الوقت بدراهم معدودات.

في رحاب للا عائشة البحرية الأمر يختلف، تقصدها الفتيات من أجل طرد شبح العنوسة والبحث عن فارس الأحلام..

تقوم الفتيات بكتابة أسماء العرسان على الجدران مقرونة بأسمائهن، ويستحممن بماء البئر في قبو قبل التخلص من ملابسهن الداخلية في إحالة على التخلص من “التابعة”..

 تقترن عملية الاستحمام بتلصص العديد من شباب المنطقة ولزوار الفضوليين الذين ينتظرون عقد لقاءات عابرة.

هنا اللقاءات سهلة وفي المتناول، فغالبية، النساء والفتيات مهيآت نفسيا لذلك وكثيرا ما تحدث اللقاءات الحميمية، منها ما يستمر ويؤدي إلى الزواج ومنها ما ينقطع بانتهاء اللقاء الجنسي العابر.

ما مصير الملابس الداخلية المتخلص منه في ضريح للا عايشة البحرية؟، سؤال توجهنا به إلى أحد الباعة الجائلين في المنطقة، فقال: “إنها تتوجه الى أسواق “البال” بالمغرب.

 وأضاف، يقوم شباب الضريح كل ليلة بجمع ما تم تعليقه من طرف الزائرات من ملابس داخلية وبعد جمع كميات كبيرة يتم إعادة بيعها في أسواق “البال” بأثمنة رمزية.

لا تنتهي زيارة أزمور ولا تستقيم، إلا بزيارة للا يطو قرينة أو جارة للا عائشة، الضلع الثالث للمثلث الصوفي الذي حوله الجهل والفقر والتهميش الى جنسي ؟، أو هكذا يبدو المشهد.

 السوتينات والشرويطة

 ترتبط زيارة للا يطو، برغبة النساء في تطويع بعولتهن(أزواجهن)، أو إرجاع الخارج منهم إلى السرب والطوع..

 وهنا، لا بد للزائرة من حمل عُدة الزيارة، وهي النقود ولبخور ولا بد لها من المرور فوق المجمر..

تحكي إحدى السيدات التي زارت يوما ما المكان، أن “الحفيظة” وهي القيمة على الضريح، تتكلف بإشعال الجمر فوق المجمر وتحرص على مرور السيدة الزائرة فوقه مع ترديد كلام مكرور لديها.

من ذلك الكلام: “آ للا يطو… اللي جابو يحطو” وأيضا “جيب سيدك ولا نزيدك”، قبل أن تعمد إلى حرق “الشرويطة” لحرق قلب المعني بالأمر.

 و “الشرويطة” معروفة لدى النساء المجربات، وهي الخرقة التي تستعمل بعد نهاية العلاقة بين الرجل والمرأة.

صالح وطالح

هكذا، يبدو الوجه البئيس لمدينة أزمور، المشوه بندوب الجهل والفقر والجنس، في زمن المسخ السياسي، الذي جعل من مدينة عرفت بالحضارة والعراقة، وقهر ودحر الاستعمار البرتغالي، الى مدينة إرتبط إسمها، بالجنس والأضرحة..وقليل من الصالحين من ساكنتها التي ظلت، تنشد حقها في التنمية جيل بعد جيل.

 أزمور، كغيرها من المدن، فيها الصالح وفيها الطالح.. فيها دعارة المزاليط، وجنس المرفحين..وفيها كذلك العفيفات النظيفات والعائلات الصالحات.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *