تدق الإحصائيات الأخيرة المتعلقة بالطلاق بالمغرب ناقوس الخطر بشأن ارتفاع معدلاته بشكل ملحوظ سنة بعد أخرى، مما يؤكد الحاجة الملحة للقيام بدراسات سوسيولوجية وسيكولوجية عميقة لبحث أسباب الظاهرة والخروج بتوصيات وحلول ناجعة لها.
وفي خضم النقاش الدائر داخل المجتمع حول التزايد المقلق لحالات الطلاق التي ارتفعت بحسب وزارة العدل، إلى ما مجموعه 26.957 حالة خلال سنة 2021، يتم التركيز بالأساس على وضعية “أبناء المطلقين” من زاوية الحضانة والنفقة وغيرهما من الأمور المادية، لكن قليلا ما يتم الاهتمام بحالتهم النفسية وما قد يؤذيهم من اضطرابات نتيجة التغييرات الجذرية التي تلحق حياتهم بعد انفصال الأبوين.
في هذا الحديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، تجيب الأخصائية في الطب النفسي للأطفال والمراهقين، هدى حجيج، عن ثلاثة أسئلة تسلط الضوء من خلالها على السمات النفسية البارزة التي تظهر على الأطفال بعد طلاق الأبوين، ومدى حاجتهم أحيانا إلى مواكبة نفسية متخصصة، فضلا عن تقديم مجموعة من النصائح للأبوين لدى تفكيرهما في الانفصال أو في حالة وقوع الطلاق بهدف حماية الطفل من أي آثار نفسية.
1- ما هي السمات النفسية البارزة التي تظهر على الأطفال بعد طلاق الأبوين؟
في الواقع، لا يتسبب الطلاق دائما في اضطراب نفسي عند الأبناء، غير أن غالبيتهم يشعرون بمجموعة من المخاوف التي تتعلق بالأساس بالخشية من فقدان أحد الأبوين أو كليهما بسبب عدم معرفتهم كيف سيكون وضعهم بعد انفصال الأبوين. كما يشعر “أبناء المطلقين” بتخوفات إزاء كل ما يتعلق بحياتهم اليومية، ويطرحون العديد من الأسئلة بهذا الخصوص: هل سأواصل الذهاب إلى نفس المدرسة؟ هل سأحصل على نفس المشتريات التي كنت أحظى بها قبل انفصال والديّ؟ هل سأظل في نفس المستوى المادي والاجتماعي الذي كنت أعيش فيه سابقا؟ وغيرها من التساؤلات.
وعموما، تنجم الاضطرابات النفسية التي يعاني منها بعض الأطفال، أساسا، عن الأجواء السلبية السائدة قبل وأثناء وبعد الانفصال، أي نتيجة حدوث صراعات ومشاكل أسرية تتسبب في معاناة الطفل من اضطرابات مثل الخوف والاكتئاب، أو تنجم عنها في بعض الأحيان إصابة الطفل باضطرابات على مستوى السلوك أو نقص في التركيز، الأمر الذي تكون له انعكاسات سلبية على تحصيله الدراسي.
أما إذا مرت مرحلة الطلاق بدون صراع بين الأبوين، وتأكد الطفل أنه سيواصل رؤية أبويه بشكل منتظم، والتزم الأبوان بالفعل بذلك، فإن الطلاق لا يتسبب في إصابة الأبناء بأية اضطرابات نفسية.
2- هل من الممكن أن تقتصر المواكبة النفسية للأطفال، في حالة الطلاق، على الأبوين، أم يحتاج أحيانا إلى مواكبة نفسية متخصصة؟
يجب في البداية توجيه الأب والأم من أجل المساعدة في مواكبة أبنائهم نفسانيا خلال فترة الطلاق، من خلال طمأنتهم بأن الأمور ستمضي بشكل طبيعي، وأن العلاقة الطيبة ستظل قائمة بين الأبوين بعد الانفصال. كما أنه لن يتم المساس باستقرارهم النفسي.
غير أنه في حالة إصابة الطفل باضطرابات نفسية تستلزم العلاج، فلا بد من الاستعانة بأخصائي في المجال لضمان المرافقة النفسية التي تستلزمها كل حالة على حدة.
3- ما هي النصائح التي يمكن تقديمها للأبوين لدى تفكيرهما في الطلاق أو في حالة وقوع الانفصال لحماية الطفل من أي آثار نفسية؟
يجب أولا، وقبل الوصول إلى مرحلة الطلاق، عدم الشجار والحديث عن المشاكل بحضور الأطفال. كما يجب أن نفسر لهم بأن هذا الطلاق ليس بسببهم، وطمأنتهم بأن حقوقهم ستبقى محمية، وعلاقتهم بالأبوين معا لن تتغير. كما يجب أن يستوعب الأبناء أن الانفصال يحدث بين الأب والأم، وليس بين الآباء والأبناء. وهنا يجب التأكيد على أهمية الحوار المستمر لبث الطمأنينة والارتياح في نفسية الطفل حتى تمر مرحلة الطلاق بسلام.
وبعد وقوع الطلاق، من المهم احترام الطرف الذي لا يعيش معه الأبناء لمواعيد الزيارة والوفاء بالوعود التي تُعطى لهم، وعدم فرض تغييرات كثيرة على نمط عيشهم، وإعطاؤهم الوقت الكافي لتقبل كل تغيير يحدث مهما كان صغيرا، وغيرها من الأمور التي تجنب معاناة الطفل من حالات نفسية مثل الاكتئاب أو الخوف.
كما ننصح الأبوين المنفصلين بضرورة عدم إسقاط مشاكلهم على الأطفال، وعدم استعمالهم كأداة لمحاربة الطرف الآخر أو كوسيلة لحل النزاعات، وفي مقابل ذلك الحرص على حمايتهم من كل ما يؤثر على نفسيتهم وعدم ممارسة أي ضغط نفسي عليهم.
أجرت الحديث: كريمة حاجي