يبدو أن ظاهرة التسول في المغرب سواء بصيغة الالكتروني أو التقليدي، خرجت عن السيطرة لتتحول إلى حرفة مربحة، ذلك ما تشير إليه عدد من الدراسات والتقارير السوسيولوجية والإعلامية وما يؤكده الواقع المعيش للمغاربة، مع متسولون يتربصون بهم الدوائر في كل زمان ومكان.

 لقد عجزت مختلف الحكومات المتعاقبة، على الحد من ظاهرة التسول في شموليتها، التي أصبح محترفوها في كثير من الأحيان، مغاربة وأجانب من دول عربية وإفريقية، وكذلك معوزون وميسورون، وحتى أصحاب سوابق.

مساءلة وزير الداخلية

 مدينة سلا، كغيرها من كبرى مدن المملكة، لا تخلفوا شوارعها وفضاءاتها العامة من إكتساح ظاهرة التسول لراحة المواطنين، ما جعل الوضع يخرج عن السيطرة، ويدفع بالنائب البرلماني عماد الدين الريفي الى توجيه سؤالا كتابيا لوزير الداخلية، عن خطة الوزارة لمحاربة انتشار ظاهرة التسول بمدينة سلا.

لقد أكد الريفي، في سؤاله اليوم الإثنين، 26/12/2022، أن ظاهرة التسول انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة بملتقيات ومدارات مدينة سلا، الشيء الذي خلف موجة من الاستنكار لدى ساكنة ومستعملي شوارع المدينة، بسبب الفوضى والرعب الذي يخلقه ممتهني التسول.

ظاهرة خرجت عن السيطرة

 بعد عام من إجتماع رسمي لمحاربة ظاهرة التسول بالأطفال احتضنته سنة 2019 وزارة الاسرة والتضامن، سيكشف تقرير لوكالة المغرب العربي للإنباء من توقيع الزميلة أميمة بركيك حقيقة أن التسول ظاهرة خرجت عن السيطرة لتتحول إلى حرفة مربحة.

 يقول التقرير، تعتبر آفة التسول ممارسة اجتماعية موجودة منذ القدم، والتي ما فتئ نطاق ممارستها بالمغرب يتسع، حتى أضحت حرفة تدر دخلا مهما لدى غالبية هذه الفئة من المجتمع.

فلا يكاد يخلو حي أو شارع أو زقاق، بجميع مدن وقرى المملكة من المتسولين حيث نلتقي، على مدار اليوم وحتى غروب الشمس، أشخاصا يستجدون الصدقات، بعد أن اختار كل منهم مكانه المناسب، فمنهم من يفضل ممارسة نشاطه أمام الأسواق الممتازة ومحطات المسافرين والمراكز التجارية، وبعضهم من يختار إشارات المرور والمساجد وحتى المدارس، إذ يلجأ غالبية ممتهني هذا النشاط إلى استراتيجيات مدروسة بعناية بهدف استمالة عطف المارة وبالتالي كسب المزيد من المال.

وفي هذا الصدد، أبرز الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، علي شعباني، في تصريح  سابق لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الظاهرة الاجتماعية أصبحت ممارسة خطيرة وفي تطور مستمر في المغرب، فكل فئات المجتمع، من جميع الأعمار ومن الجنسين، فتيات ونساء ورجال وكبار السن يمتهنون على حد سواء “مهنة التسول”.

وأشار عالم الاجتماع إلى أن “التسول يعرف تزايدا لأسباب وعوامل مختلفة ومتعددة”، مسجلا أن ظاهرة التسول أثبت، من وجهة نظر اجتماعية، ومنذ فترة طويلة، أنها حرفة تدر دخلا هاما لا يتطلب شهادات أو جهدا.

 

متسولون يرفضون عروض العمل

وأوضح أن بعض المتسولين الذين يرفضون عروض عمل يتلقونها من المصانع أو المطاعم أو غيرها، معتبرين أن مد اليد يتيح لهم كسب دخل يومي مهم يتراوح بين 250 و300 درهم كحد أدنى.

وتابع في السياق ذاته، بالقول “ليس كل الفقراء متسولون”، وإن بعض المتسولين يعانون من جشع وعقد وأمراض نفسية تدفعهم إلى ممارسة هذه الحرفة “المستقرة” لكسب المزيد من المال وأحيانا لجمع ثروات.

ولاحظ عالم الاجتماع أنه “بمرور الوقت، يكتسب المتسولون الخبرة في هذا المجال ويشرعون في استهداف المناطق والجهات والأحياء حيث يدرون أكبر قدر من المال باحترافية، وبالتالي يصبحون أكثر جشعا للمال”.

 إسترزاق المال فقط

من جهتها، أكدت نعيمة، التي تعمل صيدلانية بمدينة القنيطرة، في تصريح مماثل، أن هذه الممارسة أصبحت مقلقة بشكل متزايد، مما يتيح الفرصة للعديد من الأشخاص للاستقرار في أماكن مختلفة، سواء بشكل فردي أو في مجموعات، والتي يغيرونها حسب المناسبات وأيام الأسبوع، ليطلبوا المال من المارة.

“في كثير من الأحيان يأتون للتسول أمام صيدليتي، وعندما يشتري لهم أحد الزبائن أو يعطيهم خبزا أو طعاما أو ثيابا، فإنهم يرفضون على الفور أو يتركونها مباشرة على الرصيف”، تقول المتحدثة، التي اعتبرت أن غالبية هذه الفئة من المجتمع تتخذ من التسول حرفة.

وأضافت الصيدلانية أن الأمر المحزن والمؤثر في عملية التسول يكمن في استغلال هؤلاء الأشخاص للأطفال لتحقيق غاياتهم الخاصة وكذلك لتلبية احتياجاتهم المالية اليومية بسهولة.

وفي هذا الإطار، قامت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة باتخاذ تدابير مختلفة للقضاء على هذه الظاهرة.

 أطفال يُستغلون في التسول

 يتعلق الأمر على الخصوص، بإطلاق الوزارة بتعاون مع رئاسة النيابة العامة والقطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية المعنية والجمعيات في نهاية سنة 2019 وبداية 2020، خطة عمل حماية الأطفال من الاستغلال في التسول، بغية وضع منظومة متكاملة لحماية الأطفال من الاستغلال في التسول، تشمل الحماية القضائية والتكفل الطبي والنفسي والرعاية الاجتماعية وإعادة الإدماج في مؤسسات التربية والتكوين.

وقد مكنت هذه الخطة، في تجربة نموذجية شملت مدن الرباط وسلا وتمارة، من سحب حوالي 100 طفل من الاستغلال في التسول، وذلك إلى غاية بداية الحجر الصحي.

وفي سنة 2019، عقدت جميلة المصلي، وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، ومحمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة، اجتماعا موسعا حول ظاهرة استغلال الأطفال في التسول، حضره ممثلون عن مختلف الفاعلين المعنيين بالظاهرة.

في هذا السياق، أفاد بلاغ للوزارة وقتها بأن هذا الاجتماع، الذي حضره ممثلون عن وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة ورئاسة النيابة العامة ووزارات الداخلية، العدل، التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، والصحة، والمديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي والمرصد الوطني لحقوق الطفل واللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، يهدف إلى “تحقيق الالتقائية بين جميع المتدخلين لوضع برامج مندمجة وفعالة لمحاربة استفحال ظاهرة استغلال الأطفال في التسول”.

ووقع إجماع المتدخلين في الاجتماع على استعجالية التدخل لمعالجة الظاهرة، مبدين إرادة وجاهزية لتفعيل مختلف الإجراءات التي سيتم اعتمادها.

التسول الالكتروني.. يغرو مواقع التوصل

 الى جانب التسول التقليدي، أضحى المغاربة امام ظاهرة التسول الالكتروني، الذي غزى مواقع التواصل الاجتماعي، التي عادة ما تكون منصة لاصطياد الضحايا عبر بث محتويات من أجل جذب تعاطف وكرم رواد موقع فايسبوك تحديدا.

 في معظم الأحيان، يلجأ المتسولون الالكترونيون إلى تقمص أدوار حقيقية، تصل أحيانا إلى استغلال كل من يجلب تعاطف وعطاء الاخرين.

 لكن، ليس كل مرة تسلم الجرة، فقط سقط عدد منهم في شباك الشرطة، من أجل تهم مختلفة، بيد ان ذلك لم يحد من الظاهرة، فيما هناك، متسولون حقيقون تجوز في حقهم الصدقة،  لم يجدوا من  خيار آخر غير مد أيديهم ليتمكنوا من كسب عيشهم وتلبية احتياجاتهم واحتياجات أسرهم، وذلك نظرا لعدم قدرتهم الجسدية على العمل أو الحصول على عمل.

 التسول.. الواقع لا يترفع

 أمام كل هذا يبقى سؤال، ماذا تغير بشأن محاربة ظاهرة التسول، بين 2019 و2022 والتي تشارف على نهايتها مشروعا ؟ .

ولعل الجواب ينطق الواقع بحقيقته المرة، حيث يتعايش المغاربة مع ظاهرة تثير في كثير من الاحيان، قلق المواطن، وتمس بسمعة الوطن وقد تهدد الأمن العام. لأن التسول جريمة يعاقب عليها القانون.

*تحرير – مصطفى الحروشي 

*كارتيكاتير- عبد الله الدوقاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *