اليوم، وقد عين رئيسا للمجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي عن عمر يناهز 76 عاما، خلفا للمستشار الملكي عمر عزيمان، يكون المالكي قد تربع على عرش اليساريين، الذين تداولوا على أكثر من منصب في هرم السلطة.
محمد سليكي
كغيره من أبناء الأعيان، سيُغادر لحبيب المالكي، بداية ستينات القرن الماضي مغرب خرج من رحم الاستعمار ودخل عهد حالة الاستثناء بعد أعوام من جلوس الملك الراحل الحسن الثاني على كرسي العرش، متوجها في رحلة طلب للعلم، إلى فرنسا شارل ديغول، بعدما كان متحمسا لوجهة مصر جمال عبد الناصر.
سيندمج، لحبيب المالكي، الذي أبصر النور في 14 أبريل من عام 1946 بإحدى قرى واد زم، بسرعة في الحياة الباريسية، متجاوزا رواسب ثقافته البدوية الضاربة في عمق قبائل هضاب خريبكة، المتاخمة للحدود الرابطة بين واد زم جنوبا وأبي الجعد شرقا، وهي المنطقة التي تعلم فيها أصول اللغة العربية.
ظل المالكي، حريصا على المزاوجة، بين تحصيل العلم بإحدى جامعات باريس، وتحديدا شعبة الاقتصاد السياسي، والمتتبع لتطورات الوضع السياسي، بالمغرب مع إعلان حالة الاستثناء وفرار عدد من المعارضين السياسيين إلى خارج البلاد.
وسط تدافع العديد من طلبة المغرب بفرنسا، خاصة المنضوين منهم تحت لواء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب “أوطم”، للترافع ضد حالة الاستثناء وتجميع الملك للسلطات الثلاث بيده، والدفاع عن عودة المعارضين من منفاهم الاختياري والإجباري، كان المالكي، يخوض في نقاشات الطلبة، دون طعن في النظام، ولا تشكيك في شرعيته.
لم يكن قبول عضوية المالكي، في منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب فرع فرنسا، إلا بتزكية من محمد لخصاصي، القيادي الاتحادي السابق ورئيس فرع “أوطم” بباريس وقتها.
تمكن المالكي، من دخول دائرة الضوء التي سلطها رجال مخابرات الجنرالين القويين عهد الحسن الثاني، أوفقير والدليمي، على نشطاء “أوطم” بفرنسا، لا بل تمكن من التعرف على رموز فرع حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بباريس لعل من أبرزهم، محمد الطاهري، مسؤول الحزب وقتها.
سينهي لحبيب المالكي، مشواره الدراسي، بباريس، متوجا بالشهادة الجامعية في الاقتصاد، وسيعود إلى المغرب، وقد تمكن من ربط علاقات متميزة مع قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية غداة المؤتمر التأسيسي، وهو الذي سعين مديرا لشعبة العلوم الاقتصادية بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس الرباط ما بين عامي، 1976 و1982.
علاقة المالكي، الذي يكاد يكون نسخة طبق الأصل لعبد الواحد الراضي، القوية مع عبد الرحيم بوعبيد، الكاتب الأول المؤسس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سرعان ما ستفتر، عندما حظي الاقتصادي البيجعدي بالتعيين الملكي، على عهد خصم الاتحاديين الأول الراحل إدريس البصري، على رأس الأمانة العامة للمجلس الوطني للشباب والمستقبل، وكان ذلك في 12 نونبر 1990 .
سيعتبر إخوان بوعبيد، أن تعيين المالكي، يشي ربما باختراق البصري، لحصون الممانعة التي يصارع بها الاتحاد الاشتراكي السلطة، من أجل الديمقراطية، وقدم من أجلها شهداء وشهداء.
لذلك سينتدب بوعبيد، المسؤول عن دخول المالكي حقل اليسار، محمد الخصاصي، للجهر في الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني للشباب والمستقبل، ببراءة الاتحاد من هذا التعيين”المخدوم”، وفق معارضيه.
لم يأبه المالكي لرسائل معارضي تعيينه، بقدر ما حرص على القفز على فخاخ الاتحاديين، قبل خصوم حزبه من الإداريين، فكان نجاحه المتوالي في كسب مقعد برلماني بدائرة مسقط رأسه بخريبكة، بوابة مجده السياسي.
سيخوض المالكي، أولى تجربة انتخابية برلمانية له عام 1984، وهو يحظى بقوة دفع، اجتمع فيها ما تفرق في غيرها، حيث ستقوده إلى قبة مجلس النواب دون عناء، أصوات قبائل دائرة خريبكة وقتها، ومنها، قبائل لعبابسة والزعاما و السماعلة وبني سمير وبني خيران وبني عيسى وأولاد خلو وأولاد عياد وأولاد ابراهيم…
ظل الرجل المعروف بعشقه للجمال والماء والخضرة والحياة وتناول الشكلاط..، محافظا في أوج صراع حزبه مع البصري، على تدشين حملاته الانتخابية المتوجة بمقعد برلماني لفائدة حزب”الوردة”، بنصب خيام التبوريدة ورقصات عبيدات الرمى.
وهو ما جعله يصل إلى قيادة الاتحاد الاشتراكي، مسنودا بأكثر من سند، ومنها توالي فوزه بمقعد برلماني عن دائرة مسقط رأسه، منذ ذلك التاريخ حتى أصبح اليوم رئيسا لمجلس النواب.
لم يتوقف خصوم المالكي بنعته بـ”المتمتع بالرضى المخزني”، عند تعيينه أمينا عاما للمجلس الوطني للشباب والمستقبل، بقدر ما طاردت هذه التهمة الرجل، خلال مختلف محطات تحمله مسؤوليات بارزة في الدولة.
لقد تولى المالكي رئاسة المركز المغربي للظرفية. و منذ نونبر 1992 عين عضوا بأكاديمية المملكة، قبل أن يعود إلى الواجهة السياسية، مع حكومة التناوب عام 1998 ، حين عينه الملك الراحل الحسن الثاني، وزيرا للفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري، بعدما كان له دور بارز إلى جانب عبد الواحد الراضي، في تجسير مصالحة عبد الرحمان اليوسفي مع القصر، وتشكيل حكومة التناوب الأولى.
المالكي الحاصل على وسام العرش من درجة ضابط، وكذا وسام الاستحقاق الاقتصادي من المعهد البرتغالي العربي للتعاون ووسام الشرف باسم رئيس الجمهورية الفرنسية من درجة فارس، سيعيينه الملك محمد السادس، عام 2002، على عهد حكومة ادريس جطو، المعروفة بـ”حكومة التناوب الثانية”، وزيرا للتربية الوطنية والشباب، ثم وزيرا للتربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي في 8 يونيو 2004 .
الملك محمد السادس، سيعبر في برقية تهنئة إلى الحبيب المالكي بمناسبة انتخابه رئيسا لمجلس النواب،عن تهانئه الخالصة لمن يوصف بـ”رجل الدولة في قيادة حزب الوردة”، داعيا له بكامل التوفيق في مهامه السامية.
ومما جاء في هذه البرقية”وإننا لواثقون من أنه، بفضل ما اكتسبته من خبرة، وما هو مشهود لك به من غيرة وطنية، ومن إخلاص ووفاء مكين لثوابت الأمة ومقدساتها، سوف لن تدخر جهدا من أجل تعزيز عمل المؤسسة النيابية، للنهوض بمهامها الدستورية على أكمل وجه، وخدمة المصلحة العامة، وكذا الدفاع عن القضايا العليا للوطن، لاسيما عبر نهج دبلوماسية نيابية استباقية وفاعلة”.
اليوم، وقد عين رئيسا للمجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي عن عمر يناهز 76 عاما، خلفا للمستشار الملكي عمر عزيمان، يكون المالكي قد تربع على عرش اليساريين، الذين تداولوا على أكثر من منصب في هرم السلطة.