تحرك أبناء الخيرية الأولون والجدد، حرروا مسودة مرافعة دفاعا عن كرامة مستهدفة من مطرب اسمه الفني عادل الميلودي، وفصيلة من صنف طوطو وأمثاله من صناع التفاهة الملفوفة في قماش الفن.
قال حكماء الخيرية: «مهلا هذا النموذج لا يستحق قطرة حبر نسكبها على ورق بيان احتجاج».
وقال الغاضبون: “ليس السكوت دائما حكمة، فقد يكون السكوت عن الحق جريمة”.
بين الطرفين دار سجال حول غارات تستهدف “الدار الكبيرة”، وتدمي قلوب عابري دور الرعاية الاجتماعية على امتداد هذا الوطن.
أصل الحكاية. ذات مساء اختلت عقارب دماغ مطرب شعبي، (نسبة للشعبوية وليس للشعب)، فظهر في قناته على اليوتوب مستهلا مداخلته بالوعد والوعيد بسبب استمرار اعتقال زوجته. وفي لحظة زهو تجاوز الخطوط الحمراء، وهدد بتصفية أفراد من الشرطة في مدينة القنيطرة، ولم يكتف بالتهديد بل وصفهم بـ«أولاد الخيرية»، وهو يعتقد أن مرفق الخيرية ينتج اللقطاء وأبناء الرذيلة ومخلفات عابري السرير، كما واصل تهديده للصحافيين، وقال في الشريط ذاته إنه سوف يدهسهم بسيارته.
ولأنه هدد على المباشر سلامة القائمين على أمنه وسلامته، وتطاول على خريجي مرفق خيري أنجب كبار رجال الدولة، ووعد بضرب معاقل الصحافة، فقد كان هذا الخروج عن النص كافيا لإدانته.
في رد فعل سريع، تم إصدار مذكرة بحث في حق الميلودي، وحين استفاق من غفوته قرر تمديد مقامه في الأندلس، وقال لمقربيه سأنكب على كتابة أغنية صفح تخفف من وطأة الغضب، فغلطة الشاطر بألف.
لكن الميلودي أحوج لمعلقات صفح، بعد أن أغضب وليدات الخيرية، ووصفهم بما تيسر من عبارات قدحية من قعر قاموس الدناءة الفكرية. لذا فهو يحتاج لمن ينزع من دماغه أفكارا جاهزة تختزل ولد الخيرية في شخصية منزوعة الأحاسيس مزروعة بكل شحنات الحقد والكراهية.
لست الوحيد من يعتقد أن الجالية المقيمة بالخيرية هم لقطاء زج بهم في هذا المرفق، كي لا يصاب باقي “الأسوياء” بالعدوى. في لغة التخاطب إساءة مع سبق الإصرار والترصد لهذا المرفق الاجتماعي ولقاطنيه، فحين يتدخل رجال الأمن لفض نزاع في مدرجات الملاعب يتصدى لهم بعض المشجعين بلازمة “وا ولاد الخيرية”، وعندما يعاتب زوج زوجته بسبب كثرة الإنجاب يقول لأمه: “ولدات ليا خيرية”، وكلما اشتكى شخص من كثرة ضيوفه وتوافدهم قال في قرارة نفسه: “واش عندي خيرية”، وحين يضيق زوج من هيمنة حماته يتمنى جهرا لو اقترن بـ”بنت الخيرية”، وكأنها بلا جذور ولا أصول.
تمنيت لو أن التعاون الوطني نصب نفسه طرفا مدنيا في نازلة الميلودي ومشتقاتها، فهو بقوة القانون الوصي على القطاع. وددت لو أن فيدرالية الجمعيات الخيرية واليونسكو واليونيسيف ونزلاء بلا حدود والمجلس الأعلى للعمل الخيري، دخلوا على خط الزلة وطالبوا بأقصى العقوبات وباعتذار رسمي تكون فيه جميع الحقوق محفوظة.
لقد كانت الخيريات دوما تحت نفوذ رجال السلطة والأعيان، وكانت فضاء لتنزيل مقولة «اليد العليا خير من اليد السفلى»، قبل أن ينتفض كثير من الأطفال ويصروا على ركوب صهوة السلطة، فدخلوا بوابة أم الوزارات والثكنات والمحاكم، وتحولوا من أرقام في طوابير إلى شخصيات تتوقف عند عبورها الطوابير.
أنجبت “خيريات” المملكة القضاة والمحامين والمفوضين القضائيين ورجال ونساء القانون، لكنها لم تنجب يوما شخصا تافها ركب صهوة النجومية في غفلة من الناس، لذا آن الأوان لتصحيح كثير من العبارات الجاهزة وتفكيك عبوات ناسفة ورد الاعتبار للمؤسسة ونزلائها.
كل التضامن مع الكرة الأرضية، التي تتحمل الكثير من أجلنا وتستمر في الدوران رغم هذا الكم الهائل من التفاهة الذي يجعلنا تحت رحمة الاحتباس الأخلاقي.
اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك.
حسن البصري/ كاتب صحفي