احتفل محرك البحث “غوغل” بفنانة العيطة المغربية الحاجة الحمداوية، كرمها الموقع العالمي أمس حين سقطت من ذاكرتنا في زحمة الانشغالات اليومية، ووضع صورة لها وهي تحمل بنديرها الذي رافقها في رحلة دامت عقودا طويلة، قبل أن تقرر “تعليق” لوازم الشغل.
كان هذا التكريم المعنوي فرصة لاندلاع معركة فايسبوكية بين الرجاويين والوداديين، حيث تباهى كل طرف بمقاطع مستقطعة من زمن مضى تشيد بهذا الفريق أو ذاك.
قال الرجاويون إن الحمداوية الحجاجية غنت في حفلات الرجاء وتغنت بنجوم الفريق، وذهب هواة النبش في الحفريات إلى اعتبارها مرضعة اللاعب الدولي مصطفى شكري بيتشو، الذي ولد بنفس الزقاق بدرب كارلوطي الزاخر بنجوم الكرة والفن والسياسة والفكر. تحولت الحمداوية إلى مربية ومرضعة لعدد من أبناء درب السلطان، خاصة اللاعب الدولي بيتشو، الذي تقول عنه إنه ابنها بالرضاعة، لأنه تربى في بيتها وفي حضنها.
ولدت الحمداوية قبل ولادة الرجاء والوداد لكنها أعلنت نفسها رجاوية الانتماء، فجاء الرد من الوداديين حين كشفوا عن عشق الماريشال قيبو وبوشعيب البيضاوي للوداد، مستشهدين بمقاطع جعلت من لاعبي الفريق الأحمر درعا للحركة الوطنية.
لكن حين لف حبل الخصاص عنق الحمداوية وعرضت مأساتها في برنامج “لا أنام” تدخل اللاعب الدولي السابق عبد الرحمن المحجوب، وفاجأ منشطة البرنامج ومستمعي إذاعة طنجة، وقدم يد المساعدة لفنانة عاشت أوج المجد قبل أن يرمي بها القدر في الأقسام السفلى وتصبح في مواجهة المرض، تصمد تارة أمام عوامل التعرية وتحزن لإصرار الفايسبوكيين على دفنها قبل أن تلبي رغبتهم.
ماتت الحمداوية الرجاوية التي كانت تفتح خزائنها القديمة وتكشف تاريخ “تراجاويت”، وتضطر لاستحضار موال “منين أنا ومنين أنت” في ما يشبه التحقق من الهوية الرياضية ومن السوابق الكروية. انتهت حكايتها مع البحر الذي راقبته لعقود، لتظهر شيخة ودادية اسمها زينة الداودية أعلنت بلا حرج عشقها للوداد، وإصرارها على حضور حفلات هذا النادي وتقاسمت مع جمهوره الأحزان عند الضرورة.
تقاسمت الشيخة تسونامي مع زميلتها الداودية حب فريق لطالما سكن وجدانها وسكنت سهراته، ولم يكن مقامها بمراكش دافعا لاعتناق ملة الكوكب، بل أصرت أن تكون ودادية وتحضر حفلات التكريم بعد أن وضعها الرئيس السابق الدوبلالي في التشكيلة الأساسية لمنشطي أفراح النادي، مع توصية بارتداء اللون الأحمر.
في مدينة مراكش أعلنت الشيخة طراكس حبها للكوكب المراكشي، وحين رمت به الأقدار في دهاليز بطولة المظاليم وانفض من حوله وجهاء المدينة، ابتلعت العشق “المدفوع”، وألغت من أعراس الوجهاء وعلية القوم لازمة “والكوكاب“.
لكل فريق شيخاته، فقد كانت خديجة مركوم عاشقة لأولمبيك آسفي، وسعاد الجديدية متيمة بالدفاع الحسني الجديدي واصطفت تابعمرانت وتيشنويت في صف حسنية أكادير، بينما ظلت شيخات رويشة يرقصن لفريق خنيفري يستفيق لينام، بل إن محمد رويشة اعترف بتلقيه ملتمسا للانضمام للمكتب المسير لشباب أطلس خنيفرة، لكنه رد بموال “بيني وبينك دارو لحدود” ففهم الراسخون في التسيير سر الاعتذار اللبق.
يفتخر السودانيون حين يخلد محرك البحث العالمي ذكرى شاعر إفريقيا محمد الفيتوري، ويسعد المصريون حيت يتذكر المحرك نجيب محفوظ وأم كلثوم، ونشعر بالزهو عندما يتقاسم معنا هذا “المحقق” الالكتروني أعيادنا الوطنية وشخصيات صنعت تاريخنا، لكن حين نقف على مآسي من يذكرهم “غوغل” بالخير، نضرب كفا بكف ونطالب بصندوق لدعم الشيخات المتخلى عنهن أو ما تبقى منهم، وندعو لترجمة توصيات مناظرات العيطة، حتى لا تبقى مجرد بروال في غياب آذان تنصت لنداء اليونسكو الداعي إلى الحفاظ على هذا الموروث الغنائي، الذي أصبح معرضا للانقراض أمام زحف أشباه طوطو ومن معه.