يعرض محمد بودن، رئيس مركز اطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، في الحوار التالي، أبعاد القرارالأممي الأخير بشأن الصحراء المغربية.

ويؤكد أن قرار مجلس الأمن 2654  يشكل مساهمة جوهرية وهادفة لتحريك المسار السياسي و فرصة جديدة يتحتم على الجزائر و البوليساريو اغتنامها بواقعية من أجل مستقبل المنطقة.

وبرأي المحلل السياسي،  فإن دعم القرار الأممي بأغلبية 13 مقابل امتناع روسيا و كينيا، يجسد من جهة، نجاح الدبلوماسية المغربية في شرح مواقفها للمجتمع الدولي، و من جهة أخرى يمثل تعبيرا عن عالم اليوم.

حوار : جمال بورفيسي            

ما هي قراءتكم  للقرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية؟

إن محددات الموقف السيادي و مكاسب المملكة المغربية في ملف الصحراء المغربية، دبلوماسيا و تنمويا، فرضت تحولات هامة في مواقف عدد من القوى الدولية والاقليمية بمجلس الأمن بفضل القيادة الحكيمة والتوجيهات السديدة لجلالة الملك محمد السادس.

وبالتالي، فإن دعم 90 بلد في العالم لمبادرة الحكم الذاتي وعدم اعتراف حوالي 84% من بلدان العالم بالكيان الانفصالي، و فتح 30 قنصلية عامة بالصحراء المغربية يظهر من جهة الاتجاه الدولي الواسع لدعم المغرب ووحدته الترابية.

 ومن جهة أخرى، يُعبر عن الأهمية التي توليها دول وازنة للعلاقات مع المملكة المغربية.

و بالتالي، فأهمية القرار الأممي 2654 الذي تم اعتماده في جلسة مجلس الأمن رقم 9168 تكمن في ما جاء به من مستجدات وما أكد عليه من حقائق كامتداد للقرارات الاممية السابقة.

ما هي المستجدات التي يتضمنها القرار مقارنة مع القرارات السابقة؟

 إن رؤية المجموعة الدولية من منطلق القرار الأممي 2654 تتضمن أربع عناصر أساسية:

اولا : القرار الأممي 2654 يعبر عن ارادة أممية قوية لدعم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، ويركز على صيغة المائدة المستديرة باعتبارها الآلية الوحيدة للتوصل الى حل نهائي للنزاع الاقليمي حول الصحراء المغربية.

 وبالتالي، فمجلس الأمن الذي يمثل الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة يعبر عن عدم قبوله لتجاهل الجزائر لصيغة المائدة المستديرة بعد المشاركة في اجتماعي جنيف 2018 و 2019 ، بحيث لا يمكن محو الجهود التي قام بها المبعوث الأممي السابق (هورست كوهلر) التي عمل عليها بشق الأنفس.

ثانيا : القرار الأممي الجديد يكرس سمو وتفوق المبادرة المغربية للحكم الذاتي المقدمة سنة 2007، بحيث تحظى هذه المبادرة الخلاقة والبناءة بدعم كبير للسنة الـ 15 على التوالي بمجلس الأمن,

وقد عبرت الولايات المتحدة الأمريكية والامارات العربية المتحدة والغابون عن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي في تفسيرها للتصويت بنعم على القرار الأممي 2654.

ومن خلال تأكيد مجلس الأمن في توصيته الثانية، على أن الحل يجب ان يكون واقعيا وعمليا ومستداما وقائما على التوافق، فإنه يزكي مبادرة الحكم الذاتي التي تنسجم هذه المعايير الأممية بشكل تام مع روحها وأساسها المنطقي.

من الملاحظ أن عجلات القرار الأممي 2654 تسحق مجددا الأطروحة المتجاوزة للجزائر وجبهة البوليساريو، بحيث انه للسنة الـ21 على التوالي لم تتضمن القرارات الأممية أية اشارة لتقرير المصير على أساس الاستفتاء.

ثالثا : القرار الأممي 2654 يركز على الجزائر كطرف رئيسي في النزاع الاقليمي حول الصحراء المغربية، ويطالبها بالواقعية في إشارة الى سلوكها الأحادي المعاكس لإرادة قرارت مجلس الأمن ومحاولتها اخراج العملية السياسية عن مسارها.

من الواضح أن المجموعة الدولية تعارض بشدة مرة أخرى استمرار الجزائر في عدم السماح بتسجيل ساكنة مخيمات تندوف وفقا لاتفاقية اللاجئين لسنة 1953.

و بالتالي، فالجزائر عليها ان تتصرف بمنطق يستحضر أنه لا يمكن العمل مع المجتمع الدولي على أساس أنه لا يوجد احتمال للتوافق مع المغرب على أساس مبادرة الحكم الذاتي وفي ظل الاحترام الكامل للوحدة الترابية المغربية.

رابعا : مجلس الأمن في مستجد بارز يوجه رسالة حازمة للبوليساريو التي تقوم بعرقلة قدرة و نطاق عمل بعثة المينورسو.

 و يتضمن القرار مساءلة واضحة بخصوص القيود التي تفرضها البوليساريو على الأنشطة الجوية والبرية للبعثة الأممية وقدرتها على رصد الأوضاع والانتهاكات المتكررة لوقف اطلاق النار شرق منظومة الدفاع المغربية.

 ما تعليقكم على ما تضمنه رد الجبهة الانفصالية؟

 بقراءة لرد فعل الجبهة الانفصالية بخصوص القرار الجديد لمجلس الأمن، يتبين أن الكيان الوهمي ما يزال يقرأ قرارات مجلس الأمن الدولي بالأبيض والأسود، بينما انتقل المجتمع الدولي الى مرحلة متقدمة تُركز على السلم والأمن في بُعده الاقليمي على مستوى الأطلسي والساحل والصحراء.

يمثل قرار مجلس الأمن 2654  مساهمة جوهرية وهادفة لتحريك المسار السياسي و فرصة جديدة يتحتم على الجزائر و البوليساريو اغتنامها بواقعية من أجل مستقبل المنطقة. كما أن القرار يمثل نافذة تسلط الضوء على المسؤولية الحقيقية للجزائر و التناقض الحاصل بين أقوالها و تصرفاتها وعرقلة البوليساريو لعملية الإمداد الآمن والمنتظم لبعثة المينورسو.

بخصوص تفسير التصويت، فإن دعم القرار الأممي الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية بأغلبية 13 مقابل امتناع روسيا و كينيا، يمثل من جهة تعبيرا عن نجاح الدبلوماسية المغربية في شرح مواقفها للمجتمع الدولي، ومن جهة أخرى يمثل تعبيرا عن عالم اليوم.

فامتناع روسيا، التي تملك حق النقض عن التصويت لصالح القرار الأممي، لا يعبر بالضرورة عن معاكسة للمصالح المغربية، لكنه يوازن المصالح الروسية، ويعبرعن طبيعة العلاقات الدولية اليوم, بحيث أن روسيا تذهب في الاتجاه المعاكس للغرب في أغلب القرارات الأممية .

بالنسبة لمواقف الولايات المتحدة الأمريكية والامارات العربية المتحدة و الغابون، فإنها تعبرعن الطابع المستدام والثابت للعلاقات التي تجمعها بالمملكة المغربية.

أما الموقف الفرنسي الذي صوت لصالح القرار، فإنه يمثل استمرارية للموقف الفرنسي الايجابي تجاه مبادرة الحكم الذاتي ولا يلبي انتظارات الجزائر.

 لكن ينبغي الانتباه الى ان فرنسا لم تتناول الكلمة هذه المرة بمجلس الأمن لتفسير موقفها كالمعتاد. وفي تقديري، فإنها حاولت عدم تقييد نفسها وهي تفكرفي تكلفة موقفها في سياق يشهد ايقاعا مختلفا للعلاقات الفرنسية مع كل من المغرب و الجزائر.

بالنسبة لكينيا، أتصور أن موقفها متأثر ببيئة تنافس كبيرة بالقارة الافريقية، بحيث أصبحت ملعبا جديدا للمصالح في القارة الافريقي. ولهذا دخل موقفها مرحلة الشك، بفعل الارتباك الواضح في التعبير عنه لكنه قابل للمراجعة بعد نهاية ولاية كينيا في مجلس الأمن و ترسيخ الرئيس الجديد ويليام روتو الذي يؤيد الموقف المغربي لقناعاته بعيدا عن تأثيرات ادارة اوهورو كينياتا التي ما تزال  تنسق مع الجزائر و جنوب افريقيا.

*محمد بودن رئيس مركز اطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية ومحلل سياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *