لم يكن مفاجأ أن يحتل موضوع الماء حيزا كبيرا في الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس أول أمس الجمعة (14 أكتوبر 2022)، بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة، بالنظر إلى حجم الإشكالية التي يطرحها الماء في الظرفية الراهنة، والخصاص الذي يعانيه المغرب من هذه المادة الحيوية، والصعوبات والتحديات المرتبطة به.

لكن الأهم  والمثير في الخطاب الملكي، هو دعوة الملك بشكل واضح وصريح ومباشر إلى تجنب توظيف إشكالية الماء في الصراعات السياسية.

ذلك، أن بعض من تابعوا الخطاب الملكي، تساءلوا عما إذا كان الماء يشكل موضوع مزايدات سياسية.

إن خطاب الملك وضع الأصبع على ظاهرة قائمة وخطيرة، تتجلى في استعمال الماء ورقة لتحقيق مكاسب انتخابية وسياسية، وتصفية الحسابات مع الخصوم.

إن خطر تسييس موضوع الماء يبدأ من القرى والبوادي حيث يتم حفر الآبار في مناطق ودواوير معينة.

 وهنا تلعب الحسابات السياسية والانتخابية دورًا في توزيع الماء، مما قد تنشأ معها خلافات سياسية تفضي إلى مشاكل وصراعات إجتماعية..

وتمتد إشكاليات ومخاطر تسييس الماء إلى  الحواضر والجهات والأقاليم..

وتصل إلى القطاع المشرف على الماء، حيث  إن أي اختلال في تدبير القطاع، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج كارثية..

ولنا في هذا بعض السوابق، على غرار الصراع الذي نشأ على عهد حكومة عبد الإله بنكيران، بين الوزير عبد القادر اعمارة والوزيرة السابقة المكلفة بالماء شرفات أفيلال..

لقد أثر هذا الصراع على مردودية القطاع وشكل أحد تجليات تعثر العديد من المشاريع والبرامج..   

 واستحضارا لهذه المشاكل، نبه الخطاب الملكي إلى المخاطر التي قد تنجم عن المزايدات السياسية بشأن موضوع الماء.

 أخطرها تأجيج التوترات الاجتماعية بما يهدد السلم والاستقرار الاجتماعي. 

وبما أن السلم الإجتماعي خط أحمر، فإنه من غير المقبول أن يشكل الماء ورقة ضغط في يد الفاعلين والمتدخلين.

لذلك، فإن قضية الماء ينبغي أن تبقى محايدة وبعيدة عن التقاطبات السياسية والحسابات السياسوية والانتخابوية الضيقة.

الماء مادة حيوية تهم جميع المغاربة، وليست حكرا على حزب سياسي أو على فئة من المغاربة دون آخرين. 

و بالنظر إلى المخاطر التي ينطوي عليها التوظيف السياسي للماء، فإن الملك محمد السادس شدد على ضرورة محاصرة هذه الظاهرة حتى لا تستمر، خاصة في ظل استمرار موجات الجفاف وتنامي الحاجيات على الموارد المائية..

لقد تجسدت مخاطر تسييس إشكالية الماء خلال  عشر سنوات الماضية التي عرفت تأخرا مُلفتا في تنفيذ البرامج المائية.

وخاصة التعثر الذي عرفه تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للماء 2009-2030.

المثير أن حكومة الاسلاميين لم تتعامل مع إشكالية الماء بالصرامة والجدية المطلوبة، رغم الطابع البنيوي للجفاف وما يفرضه ذلك من تحديات قصوى على البلاد.

وعوض أن تتبنى حكومة عبد الإله بنكيران وبعدها حكومة سعد الدين العثماني مقاربة تقوم على منح الأولوية القصوى لتنزيل البرامج المتعلقة بالماء، لتخفيف تبعات الندرة، اعتمدت هاتين الحكومتين مقاربة تنم عن غياب روح المسؤولية.

وسبق لنزار بركة وزير التجهيز والماء،  أن حمل في عدد من المناسبات الحكومة السابقة، مسؤولية إفشال المخططات المائية، ما ترك إرثا ثقيلا على الحكومة الحالية التي سارعت إلى اتخاذ تدابير استعجالية لاستدراك ما ضاع من الوقت في زمن الاسلاميين.

العديد من المشاريع ظلت حبرا على ورق ضمن الاستراتيجية الوطنية للماء 2009-2030.

ورغم تعاقب وزيران على مسؤولية تدبير هذا القطاع الحيوي، خلال 10 سنوات من عمر الولايتين الحكوميتين السابقتين، وهما عزيز الرباح وعبد القادر اعمارة، إلا أن الأمور ظلت على حالها.

ومن ضمن البرامج المتضمنة في هذه الاستراتيجية التي عرفت تعثرا، هناك السدود المبرمجة والبالغ عددها 57 سدا، حيث تم إنجاز 9 سدا كبيرا فقط و 15 سدا في طور الإنجاز.  

كما عرف مشروع تحويل المياه من أحواض لاو واللكوس وسبو إلى أحواض أم الربيع وتانسيفت تأخرا في إنجازه. 

وعرفت مشاريع تحلية مياه البحر تأخرا في الإنجاز ، وخاصة محطة  مدينة الدار البيضاء الكبرى التي من المتوقع أن تعرف عجزا من الماء على المدى المتوسط (2025) وكذا مشروع تحلية مياه البحر بمدينة السعيدية (لسد حاجيات مياه كل من السعيدية والدريوش والناظور وبركان) مما ترتب عنه عجز مائيا خاصة للمدن الشمالية الشرقية.  

 ثمة مشاريع أخرى لم ترى النور أو عرفت تأخرا ملفتا في الإنجاز، بسبب غياب الحزم والجدية في التعاطي مع إشكالية الماء.

واليوم، في ظل الحكومة الحالية، يتم العمل بجهود مضاعفة لتدارك العجز الذي سجلته الحكومتين السابقتين في تنفيذ المشاريع المائية.

تشتغل الحكومة الحالية على قدم وساق من أجل تدارك الوقت الذي ضيعه الإسلاميون بسبب عدم تحديد الأولويات بدقة والاستهتار بالأزمة المرتبطة بندرة الماء، وغياب الحكامة في التدبير.

 لقد كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنتي 2019-2020، عدة اختلالات في تدبير قطاع الماء، في عهد الإسلاميين.

حيث أقر أن الوضع المائي في المغرب يتسم  بتوزيع بنيوي غير متوازن بين الأحواض المائية من حيث الإمدادات السنوية بالمياه.

كما سجل تفاوتات كبيرة بين المناطق. وينجم عن ذلك وجود فائض في بعض الأحواض يتم أحيانا تصريفه في البحر مع عدم الإستفادة منه، كما هو الشأن بالنسبة لسد الوحدة.

هو إرث ثقيل في يد حكومة أخنوش، التي وجدت نفسها اليوم أمام تحدي إستدراك سنوات الضياع في تدبير قطاع الماء.. التي عاش خلالها المغرب في كنف حكومتي بنكيران والعثماني سنوات عجاف. 

في الماء كما في التنمية.

فهل يتملك البيجيدي تحالف حكومتي بنكيران والعثماني الشجاعة السياسة للاعتذار للمغاربة عن سنوات ضياع تدبير أمنهم المائي؟، أم ستواصل التشويش على حكومة أخنوش عبر  مواجهة مجهودها في تدبير هذا الإرث الثقيل بإغراق قضية قطاع الماء في المزايدات السياسية؟ . 

لاتنسوا أن ملك البلاد دعا الى تدارك التأخر في قطاع الماء.

وكما قال جلالة الملك، “كما ينبغي ألا يكون مشكل الماء، موضوع مزايدات سياسية، أو مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *