قبل أسبوع من الآن التقيت في سوق شهيرة هنا بالدوحة ثلاثة مواطنين مغاربة، أرى وجوههم كثيرا على وسائل التواصل الاجتماعي، ويوصفون من لدن البعض بالمؤثرين، ثم بعد يومين فقط رأيتهم في نشاط رسمي يتعلق بأكبر حدث رياضي بالعالم.

أما الشخص الأول فرأسماله الأول هو الكرش، وقد كنت حريصا على متابعة صفحته لمدة يومين لأتبين سبب شهرته بين الناس. وجدته يستثمر الكرش، وفي بعض الفكاهة السمجة التي لا تضحك أحدا.

أما “الشخصة” الثانية، وبناء على اجتهاد شخصي قد لا يكون دقيقا، فيعود سبب شهرتها الأساسي إلى نصائح التنمية الذاتية التي تقدمها للبنات حول الزواج والحياة وطرق العيش بشكل أفضل والسفر إلى كل العالم ولي اللسان وإبراز الصدر المتوهم.

أما الشخص الثالث، فيحوز على أكبر عدد من الجيمات والقلوب الحمراء، وصفحته متخصصة في لا شيء تقريبا. لا شيء.

إنهم المؤثرون؟

كنت أتساءل ما الذي يجعل المنظمين يدعونهم لحضور هذا النشاط؟ هل للأمر علاقة بالتأثير أو الانتشار أو تلميع السمعة كما درسها لنا الأستاذ الجميل الحسين بنعياش داخل أدراج معهد الصحافة بالرباط؟.

 بل ذهبت أبعد وخضت “مونولوك” مريرا مع نفسي: هل الأمر عادي جدا، والزمن قد تغير، وقد “دبت فيك الغيرة يا محمد”؟.

ماهو مفهوم التأثير؟ هل التوفر على مليون شخص على صفحتك تجعلك قادرا على إحداث التأثير في الناس والدولة، علما أن نصف من حازوا على جائزة نوبل التي تعلن أسماء الفائزين هذه الأيام لا يتوفرون على حسابات.

 وفي أقصى الحالات تتوفر الفائزة على جائزة نوبل للكيمياء كارولين بيرتوزي على 37 ألف متابع على تويتر حصلت على نصفها ربما بعد الإعلان عن نتائج الأكاديمية السويدية.

في غمرة السؤال، كنت أستحضر نماذج لفيسبوكيين، وإنستغراميين أصبحوا فجأة يمارسون مهنة الصحافة، ويعطون الدروس فيها، ويعتبرون المهنية والمصداقية والتحقق من الأخبار مجرد ترف لم يعد يناسب الجمهور الحديث الذي يبحث عن الشعبوية وإرضاء رغباته وغرائزه خاصة في مجتمعات غير متعلمة.

بل الأكثر عماء من كل ذلك، أنهم أصبحوا “بضاعة” تلجأ إليها الحكومات ووسائل الإعلام للرفع من الكليك ونسب المشاهدة والنتيجة؛ لا هم يحوزون على التأثير ولا هم يربحون معركة الوعي لأن المحتوى الرقمي والمحتوى في المنصات التقليدية لا يخضع لنفس المعايير.

ما هو النموذج الذي يقدمه جزء كبير من هؤلاء للمجتمع: التسلق السريع، الوصول دون عمل، التزييف، الكفاءة والمعرفة لا تنفع في شيء، السفر بالمجان، الشهرة المزيفة، وأشياء أخرى نترفع عنها…

هذا هو النموذج الذي يقدمونه، وقد يأتي يوم، وأمام موجة البلاهة المنتشرة وسنجد أنفسنا أننا نحن “الممتلؤون بالرذيلة” كما قال امبرتو ايكو.

* محمد أحداد كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *