رئاسة التحرير

بالموازاة مع الاختراق غير المسبوق للدبلوماسية الرسمية لمنطقة أمريكا اللاتينية، والتي كان من ثمارها سحب اعتراف العديد من بلدان تلك المنطقة بالجمهورية الوهمية، أعطت الدبلوماسية البرلمانية زخما قويا لعلاقة المغرب بالعديد من بلدان أمريكا اللاتينية، آخرها زيارة رئيس مجلس المستشارين حكيم بن شماش لبنما لحضور أشغال الجمعية العامة  للبرلاتينو التي احتضنتها العاصمة البنمية يومي 14 و15، والزيارة الهامة التي قام بها كذلك للإكوادور،  ولقائه أمس الثلاثاء برئيس الجمعية الوطنية لهذا البلد الذي ظلت تخترقه فلول الانفصاليين، طيلة عقود من الزمن.

وشكلت لقاءات حكيم بن شماش، مع رؤساء برلمانات عدد من بلدان أمريكا اللاتينية والكاراييب، مناسبة مُواتية لبسط وجهة نظر المغرب بشأن النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وعرض مستجدات هذا النزاع الذي تتحمل فيه الجزائر وصنيعتها( بوليساريو) مسؤولية  افتعاله وإدامته ضدا على السيادة الترابية للمملكة المغربية.

كما شكلت هذه اللقاءات فرصة سانحة لرئيس مجلس المستشارين لتسليط الضوء على المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها المدخل الوحيد للطي النهائي لصفحة هذا النزاع المفتعل في إطار السيادة الوطنية والترابية للمملكة.

بن شماش، إستعرض خلال لقائه برئيس الجمعية الوطنية للإكوادور، مختلف الجوانب التاريخية والسياسية والاجتماعية المتعلقة بقضية الصحراء المغربية، والمخاطر المحدقة بالمنطقة في ظل تعنت الجزائر في إدامة النزاع المفتعل وهي المخاطر المرتبطة بتجزيئ المنطقة إلى دويلات وانتشار الإرهاب والجريمة المنظمة وما يشكله ذلك من تهديد على الأمن والسلم والاستقرار إقليميا وجهويا.

وبعدما شكلت منطقة أمريكا اللاتينية لفترة عقود من الزمن، إحدى نقط ضعف الدبلوماسية البرلمانية والمغربية بشكل عام، لا يسع المتتبع للشأن السياسي الوطني إلا أن يرصد التحولات الطارئة في مواقف العديد من بلدان أمريكا اللاتينية والكاراييب لصالح الوحدة الترابية للملكة المغربية، وهي المواقف التي توجت في وقت سابق بقرار برلمان دول الأنديز وقبله برلمان أمريكا الوسطى وبعدها برلمانات الشيلي والبراغواي والبرازيل، الداعمة للمبادرة المغربية للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، كأساس لحل سياسي متوافق حوله للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

وجدير بالملاحظة أن أغلب الاعترافات بالجمهورية الوهمية بأمريكا اللاتينية كان خلال سنوات الثمانينات، أي في أوج المد اليساري الراديكالي بالمنطقة، وفي عز التحولات والتقلبات السياسة التي فرضتها مخلفات الحرب الباردة، والذي قابله جو من الانحسار والتدافع السياسي الحاد بالمغرب.

ومن المؤكد أن الدينامية والانفراج السياسي والحقوقي والمصالحة السياسية الوطنية، التي ميزت مسار الانتقال الديمقراطي وبناء المؤسسات ببلادنا، وخصوصا الزيارة الملكية لبعض بلدان أمريكا اللاتينية سنة 2004، كلها عوامل غيرت منظور وعلاقة المغرب بمنطقة أمريكا اللاتينية والكاراييب، حيث قامت مجموعة من الدول اللاتينية بسحب اعترافها بالجمهورية الوهمية.

لقد فرضت هذه المعطيات، على البرلمان المغربي أن ينتقل إلى ممارسة دبلوماسية برلمانية نشطة تستحضر ضرورة ترسيخ علاقات سياسية بناءة وتعزيز التقارب مع ممثلي شعوب هذه المنطقة ومؤسساتها التمثيلية.

وفي هذا السياق، وقع البرلمان المغربي اتفاقية إطار للتعاون مع منتدى رؤساء برلمانات أمريكا الوسطى والكاريبي (فوبريل) في أكتوبر 2014، ثم اتفاقية انضمامه كعضو ملاحظ دائم لدى برلمان أمريكا الوسطى في يونيو 2015، ليتوج هذا المسار نهاية شهر أبريل الماضي بتوقيع اتفاقية انضمام البرلمان المغربي كعضو ملاحظ لدى برلمان أمريكا اللاتينية والكاراييب( برلاتينو)، كأقدم وأهم تجمع برلماني بالمنطقة ككل.

ولابد من استحضار المواقف غير مسبوقة بخصوص قضيتنا الوطنية  التي جسدها إعلان العيون في اجتماع مكتب مجلس المستشارين برئاسة حكيم بن شماش مع المكتب التنفيذي لبرلمان أمريكا الوسطى (البرلاسين) في يوليوز 2016 ، وكذا المواقف التي عبر عنها أعضاء منتدى رئيسات ورؤساء المجالس التشريعية بأمريكا الوسطى ( الفوبريل)  في الاجتماعين الذين استضافهما البرلمان المغربي بمجلسيه ستني 2016 و2017 وخصوصا تنديدهما القوي بتصريحات بان كي مون، الأمين العام انداك لمنظمة الأمم المتحدة، إضافة إلى طرد ممثل جمهورية الوهم بجمهورية بنما خلال حفل تسليم السلط ببرلمان أمريكا الوسطى، وكذا التصريحات القوية لصالح بلادنا التي تضمنتها كلمتا كل من رئيس برلمان أمريكا اللاتينية والكراييب “الياس كاستيو” ورئيس برلمان دول الأنديز السيد ” فرناندو ميزا” خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي والبرلماني العربي الإفريقي الذي نظمه مجلس المستشارين نهاية شهر أبريل المنصرم..

هذا كله دون إغفال المواقف غير مسبوقة التي أصدرها البرلمان الشيلي بمجلسيه في يناير 2018 وكذا البرلمانان البرغوياني والبرازيلي بداية شهر ماي الماضي، وأخرها موقف البرلمان الأنديني بداية ها الأسبوع، وهي المواقف التي ثمنت ودعمت بل وناصرت المقترح المغربي للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، كأساس جدي وذي مصداقية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

لقد حرص حكيم بنشماش، منذ إنتخابه رئيسا لمجلس المستشارين، على تفعيل التوجيهات الملكية، المتعلقة بتفعيل الدبلوماسية البرلمانية، لشد عضد الدبلوماسية الرسمية للدولة، إذ بادر إلى تعيين كاتب الدولة السابق في الخارجية، المستشار أحمد الخريف ممثلا دائما للمجلس لدى برلمان أمريكا الوسطى، وبعد شهور من حضور الجلسات العامة لهذه الهيئة البرلمانية، استضاف المجلس بمدينة العيون اجتماعا للمكتب التنفيذي للبرلاسين، وهي المحطة التي توجت بإعلان العيون الذي أكد على دعم برلمانات أمريكا الوسطى للوحدة الترابية للملكة المغربية ودعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وهو موقف غير مسبوق خصوصا إن علمنا أن ثلاث دول من بين 6 المشكلة للبرلاسين هي دول لازالت تعترف رسميا بالجمهورية الوهمية.

وغني عن البيان أن مجلس المستشارين برئاسة حكيم بن شماش، تميز بالقيام بزيارتين للشيلي في يناير ويوليوز 2017 تم خلالها التوقيع على مذكرتين للتفاهم والتعاون البرلمانيين، ليصدر البرلمان الشيلي بمجلسيه في يناير 2018 ملتمسا يطالب الحكومة الشيلية بدعم المبادرة المغربية، وهو أيضا قرار وتحول لا يمكن استيعاب حجمه دون قراءة المواقف السابقة للبرلمان الشيلي، الذي دأب لما يقارب عقدين من الزمن على رفع ملتمس للإعتراف بجمهورية الوهم.

قرار البرلمان البرازيلي، أيضا جاء بعد فترة وجيزة من الزيارة التي قام بها وفد برلماني عن مجلس المستشارين، وكذلك البرلمان البراغوياني فقد قامت وفود عديدة عنه بزيارة للمغرب خلال السنتين الأخيرتين بدعوة من مجلسي البرلمان المغربي.

وبخصوص القرار الذي أصدره برلمان دول الأنديز، فيجب النظر إليه وتقديره من زاوية الدول الأعضاء المكونة له، وتكفي الإشارة إلى أن بوليفيا والاكوادور دولتان عضوتان،  كما انه جدير بالذكر أن  رئيس البرلاندينو، فيرناندو ميزا قد قام بزيارة للملكة المغربية نهاية شهر أبريل الماضي، حيث أكد في كلمته الافتتاحية بالمنتدى البرلماني والاقتصادي الذي نظمه مجلس المستشارين برئاسة حكيم بن شماش، وكذا خلال استقباله من طرف رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي،  عن تقديره الكبير للمغرب ولدوره المحوري في تعزيز التعاون بين دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا والعالم العربي، مشيدا في هذا الصدد بالمكانة التي يحظى بها ملك المغرب ودوره في إشاعة قيم السلام والتضامن بين شعوب المنطقة.

وإلى جانب التعريف بالقضية الوطنية الأولى والدفاع عن  مبادرة الحكم الذاتي، اعتمد مجلس المستشارين على الترويج الكبير والتعريف بالمسار الديمقراطي ببلادنا وتركيزه بالخصوص في علاقاته مع برلمانات أمريكا اللاتينية على إيصال تجربة المصالحة السياسية وعمل هيئة الإنصاف والمصالحة، التي جعلت من بلادنا نموذجا متفردا في مجال العدالة الانتقالية بمحيطه الإقليمي والجهوي، خصوصا من خلال المصداقية التي حظي بها هدا الخطاب في ظل تولي حكيم بن شماش أحد الوجوه التي طبعت مسار الإنصاف والمصالحة لرئاسة مجلس المستشارين.

من خلال هذه المعطيات، يتبين بوضوح أن انخراط البرلمان المغربي بهذه المنطقة، إلى جانب التغييرات التي عرفتها الدبلوماسية الرسمية الوطنية بالمنطقة، من خلال تعيين وجوه برلمانية ونسائية وكفاءات وطنية كسفراء جدد بامريكا اللاتينية والكاراييب، هو انخراط ينبني أساسا على بناء علاقات تعاون تشمل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وكل الميادين ذات الاهتمام المشترك مع بلدان أمريكا اللاتينية والكاراييب..

علاقات قوامها خدمة المصالح المشتركة للشعوب، بما يتضمنه من احترام لسيادة الدول ووحدتها الترابية، وهي المعطيات والتحولات التي تؤكد أن بعد الصفعات التي تلقاها خصوم الوحدة الترابية للملكة المغربية بإفريقيا، فان أمريكا اللاتينية لم تعد ملاذا لمروجي أطروحة الإنفصال من مرتزقة البوليساريو ومن يقف وراءهم أو يدور في فلكهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *