كان لي شرف العمل، لفترة، محللا في بعض البرامج الرياضية مع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي عربي. فقد اقترح بعضهم، أكرمه الله، اسمي على الزملاء في الهيئة الكبيرة، مهنيا وتاريخيا وثقافيا، لكي أقدم تحليلاتي في الجانب الرياضي.

وكنت كلما جلست أنتظر الاتصال من القاهرة، حيث أحد ابرز مكاتب البي بي سي في الشرق الأوسط، وفي مرات من لندن، ومرة تلفزيون الهيئة، ضمن برنامج عالم الظهيرة الشهير، إلا وتذكرت طفولتي، في بيتنا بحي الصخور السوداء / روش نوار، بالدار البيضاء.

كان والدي، يرحمه الله، لا يمارس قيلولته، اليومية، أبدا، إلا وقد وضع المذياع بجانب رأسه، وأطلقه على الهيئة العالمية، حيث نسمع تلك الضربات العجيبة والمثيرة والخالدة لساعة بيغ بين، وبعدها هنا لندن، هيئة الإذاعة البريطانية، وعالم الظهيرة.

كنت أتابع البرامج مسحورا، لاسيما تلك الأصوات العذبة الجميلة الرائقة، وهي تقدم لنا الخبر بسلاسة، فضلا عن التحليلات المصاحبة، التي يقدم لها بالتالي:”الخبير في شؤون الشرق الأوسط / الخبير في الشؤون المالية // الخبير في كذا“.

حتى الوالدة يرحمها الله كانت تستهويها البي بي سي، وتحب أن تتابع الأخبار، لاسيما أخبار الحرب بين العراق وإيران، والحرب الأهلية في لبنان، ثم تلك الحوارات الجميلة التي كانت تشكل أعجوبة، كحوار مع شاعر كبير مثل نزار قباني.

ولا تنتهي الصلة أبدا بالبي بي سي الجميلة, لا تنتهي أبدا. فهي دائما قريبة، خاصة أن الغرفة الأهم في بيتنا كانت تضم ساعة كبيرة جدا، تطلق الدقات نفسها المنبثقة من ساعة بيغ بين في لندن.

في مرة قلت للزملاء الأعزاء في مصر، وكلهم ما يزالون أصدقائي إلى اليوم، إنهم حققوا لي حلما من أحلام العمر. أن أتحدث عبر إذاعة البي بي سي التي ظل والداي يعتبرانها أعجوبة من أعاجيب الزمان.

نعم أبي. نعم أمي. تحقق الحلم. وأعلم أنكما تفتخران بذلك حيثما أنتما، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

الرحمة لكما. والمحبة لبي بي سي. والمودة للزملاء في القاهرة. وشكرا للإعلام العظيم، بكل ما له وما عليه. وعاشت الصحافة النقية البهية العالية المستوى.

*يونس الخراشي (صحفي وناقد رياضي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *