يعد الشفنج من أقدم الأكلات المغربية المنحدرة من فصيلة المعجنات، ذات الشكل الدائري، يعشقه المغاربة ويهيمون في حبه، مع العلم أنه تاريخيا اعتبر من وجبات النخبة البرجوازية المغربية, بدليل ما يتداول شفاهيا حوله: “فلان لاباس عليه كيضرب غير الشفنج هو وأولادو”.

انتشر في الأسواق المغربية بداية الستينيات من القرن الماضي، في فضاءات مفتوحة وسط حي من الخيام المتخصصة في إعداده، وهي بمثابة مقاهي شعبية، تجد على بوابتها أفران أسطوانية كبيرة، من الطين الأحمر الممزوج بالتبن والحجارة، ذات فوهات سفلية لإدخال الأخشاب حفاظا على سعرة النار.

وأعلاها مقلاة واسعة، تسبح داخلها دوائر الإسفنج البيضاء، والتي تخرج بمجرد احمرارها، لتوضع في آنية كبيرة بواسطة سلك معقوف، طويل يحمي “المعلم الشفا نجي” من لهيب النار.

و تسلم للزبائن معلقة في شراك نبات الدوم الطبيعي، ولم يسبق لها أن وضعت في أكياس البلاستيك، وهناك من يفضل وضعها داخل ورق مقوى شبيه بعلب الإسمنت.

تعد العجين ليلا لأنها تحتاج إلى عملية التخمير، التي تضمن جودة عالية للمستهلك، ويعتبر الشاي الأخ السيامي للشفنج بالمغرب، سيما لدى المنحدرين من الأرياف، أما أهل المدن فينوعون تناولها بين الشاي والقهوة.

ولا تخلو أسواق البادية من القهوجي المتنقل الذي يجوب دروب الخيام مناديا: قهوا- قهوا حليب…يحمل الإبريق والكؤوس داخل سلة من قصب في شكل دائري.

ولعل رائحتها المضمخة بالزنجبيل أو القرفة، تسيل لعاب رواد السوق مما يجعلهم يقبلون عليها، ومع ذلك تبقى مكانة البراد بدون منازع .

وهناك شريحة من الذواقين تطلب نوعا آخر من الشفنج “الشفنجة المطفية” حيث يعمل المعلم على فتح الإسفنجة بعد طهيها وإعادتها إلى المقلاة حتى تصبح صلبة ويتغير طعمها شيئا ما، ويعبر عن ذلك الموروث الشعبي بالنص الآتي حينما يحصل المرء على خبر سار في الصباح الباكر يخاطب مخبره قائلا: “ضربتيني بشفنجة مطفية ف هذ الصباح” ومن عادات أهل البادية أنهم يفطرون من يصاحبهم إلى سوق البهائم لبيع إحداها، بالشفنج والشاي، ويتناولون الكفتة عند الغذاء.

ولمصطلح الشفنج معنى آخر ارتباطا بالتحصيل الدراسي حيث القول :”أنت زيرو،شفنجة” في علاقة هندسية متطابقة بين شكل الصفر والإسفنجة، ويتداول مصطلح الشفنج لدى المتعلمين أكثر من الصفر في حواراتهم الاستهزائية من الكسلاء.

وهناك بعض الأسر المدينية التي أقحمت الشفنج خانة وجبات العزاء حيث يقدم للمعزين مع القهوة السوداء.

وقد بدأت بوادر الانقراض بمجرد ما حاول البعض تطويره تحت يافطة التطور,وغيروه بـ:”البينيي” مع تمريغه في  مسحوق السكر، وإن كانت بلادنا تتميز بمأكولات تراثية يجب الحفاظ عليها فإن الشفنج في طريقه إلى الإنقراض، سيما اختفاء مجموعة من الحرفيين المولعين بصنعه، من بعض المدن المغربية، إذ أضحى البحث عنه أمرا متعبا للغاية، في ظل تنافسية شديدة لوجبات أوروبية غريبة عن ثقافتنا، مثل “الهامبوركر”و”الشوارما” وإغراءات المكدونالد،

 وسنختم هذه المادة بقولة تراثية: “جديد ليلو جدة والبالي لا تفرط فيــــــــــــــــــــــــــــــــــــه”. 

* ذ.إدريس الكرشّ: باحث في التراث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *