وكم تمتعت حينما زار الملك الراحل الحسن الثاني عين السبع. وأخرجونا من المدرسة لاستقباله.

ورغم أن الشمس دوختنا. ورغم الجوع والعطش والحواجز وركلات رجال القوات المساعدة المسددة بدقة في اتجاه مؤخراتنا.

*حميد زايد

لم أذهب برضاي إلى مدرسة ابن الخطيب بعين السبع.

أخذوني عنوة.

 وبكيت وسقطت أرضا ورفضت أن أذعن.

لكن الوالدة أغرتني.

فاشترت لي حلوى وصنعت لي خبزا ببيض مقلي ومنحتني درهما.

كي أرضخ في النهاية.

كان كل أفراد الأسرة يحببون إلي المدرسة.

بينما أنا كنت أحب الشارع واللعب.

كنت أحب المارشي الأخضر والدار الخالية والكرة الحديدية.

وفي اليوم الأول فعلتها في سروالي وبللته. منتقما من الجميع.

لم أرتح للمعلم ولا للكراسة. ولم تعجبني المدرسة بقدر ما أعجبني الطريق إليها.

كانت بعيدة عن منزلنا. ولم يكن نقل مدرسي.

وأحيانا كنت أصل إليها. وأحيانا أخرى أتوقف في وسط الطريق.

 وألتحق بأقراني نصطاد الفئران والحشرات ورضاعة البقر.

كانت سنتي الأولى كارثية بكل المقاييس.

فبعد أيام فقط من الدخول المدرسي عضني كلبان ونهشاني. فوجدتها فرصة لأمرض وأتوجع وأتغيب.

وعندما كنت أذهب مرغما. لم يكن يهمني أن أقرأ أو أتعلم. بقدر ما كنت أنتظر رنة الجرس. لأخرج من القسم وأركض حتى لا يفوتني سندباد.

وكم كنت سريعا. إذ نخرج في السادسة وأصل في السادسة. وألحق بالجنريك والأغنية.

وشيئا فشيئا أخذت أتعود على هذا العالم الذي وجدتني مقذوفا فيه.

لكني وضعت شروطا كي أتعلم.

من بينها أن تأخذني الوالدة إلى البقال أولا. وأن أحصل على درهم يوميا. ودون ذلك لم أكن لأذعن لهم.

ولا أتذكر أبدًا متعة القسم. ولا أحن إليها.

بل أحن إلى طنجرة المرق. بعد أن تخرج لي الوالدة منها قطع بطاطا وتحشوها ساخنة في الباكيطة.

وأتذكرها الآن وأتلمظ. وأراني صغيرا ألتهمها في الطريق، أو في الاستراحة.

وأتساءل أين هو ذلك الطعم. وذلك المذاق.

أين هي تلك البطاطس.

كنت كسولا ومازلت. وكانت حجرة المدرسة بمثابة سجن بالنسبة إلي.

وكم تمتعت حينما زار الملك الراحل الحسن الثاني منطقة عين السبع. وأخرجونا من المدرسة لاستقباله.

ورغم أن الشمس دوختنا. ورغم الجوع والعطش والحواجز وركلات رجال القوات المساعدة المسددة بدقة في اتجاه مؤخراتنا.

فقد كان ذلك أرحم بالنسبة إلي من الجلوس على الطاولة.

وتحمل الألم الذي الذي كان يسببه لي ذلك في إليتي.

ومع الوقت صرت أتعود. وأذهب قبل الوقت.

وأتأخر في العودة. لأتمتع بحقول القمح المجاورة لمدرسة ابن الخطيب. فأسرق السنابل، وأقطف كرينبوش والعسلوس.

وألعب قرب سجن عكاشة. الذي كان بناية فارغة في ذلك الوقت. وأتسلق أسوار الفيلات وأقطف الخوخ.

وأنظر باستغراب إلى تلاميذ وتلميذات مدرسة البعثة التي كانت مجاورة لنا. وهم يقبلون بعضهم البعض مثل عشاق كبار دون خجل ولا حشمة.

وكنا لذلك نضربهم بالحجارة ونهرب.

لقد أثرت سنتي الأولى كثيرا على مساري التعليمي. ولأني التحقت بقسم التحضيري مرغما.

فقد قضيت كل سنواتي الدراسية التي تلته وأنا كاره للفصل والمعلمين وفاقد للصبر بجلوسي لساعة أو ساعتين.

عرضة للتهديد والاستظهار ورفع الأصبع.

ولدت كسولا وضجرا وأنهيت تعليمي وأنا كسول وضجر.

ولولا حلوى الوالدة. ولولا الدرهم الرشوة. ولولا البطاطس الحارقة الصفراء في الخبز. لما كنت تجاوزت سنتي الأولى. ولهربت من المدرسة.

 خاصة أن معلمي، كان يحمل معه دائما عصا وقضيبا من المطاط الأسود.

 وكان يضربنا ويصفعنا بسبب أو بدونه.

وإذا كان علي أن أشكر أحدا. فليس المعلم. ولا المدير. بل فقط أمي. ثم الطريق الذي كنت ألعب فيه.

ولا أنسى البقال. ورائحة البطاطا خارجة من الطنجرة كما تخرج الحمم من البركان.

ياه. ما أقسى المدرسة. وما أجمل الذهاب إليها. والعودة منها إلى المنزل.

ما أروع أقسام مدرسة ابن الخطيب. التي بناها الاستعمار.

 واسعة ونوافذها كبيرة. ومليئة بالأصص والنباتات.

وما أحلى العطل وما أطيب أمي.

*حميد زايد كاتب صحفي ساخر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *