لم تُولِ أية حكومة من الحكومات السابقة، العناية التي توليها الحكومة الحالية  لمأسسة الحوار الاجتماعي واستتباب السلم الاجتماعي.

اتخذ الحوار الاجتماعي، خلال الحكومات المتعاقبة، صبغة موائد مستديرة بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين كانت تناقش مختلف القضايا التي تشغل بال المركزيات النقابية والباطرونا، وكانت هذه الاجتماعات تتم في سياقات طبيعية، وتحققت نتائج متباينة.

خلال فترة حكومة العدالة والتنمية في نسختها الأولى، مر الحوار الاجتماعي بأزمة، بسبب غياب الرؤية لدى الحكومة.

في عهد حكومة عبد الإله بن كيران، تعطل الحوار الاجتماعي، مما  أدى إلى غليان اجتماعي ترجم في احتجاجات العديد من الفئات المهنية التي نزلت إلى الشارع للاحتجاج ضد توقف الحوار الاجتماعي. ظلت الاحتجاجات تؤثث الفضاء العام طيلة شهور دون أن تلقى تلك الاحتجاجات آذانا صاغية لدى الحكومة.

لم يكن الحوار الاجتماعي يحظى بالأهمية لدى ابن كيران، الذي  كان يتبنى القناعة التي تقول لا تفاوض حول الأجور والترقيات وتحسين الأوضاع المادية للأجراء.

في عهد سعد الدين العثماني لم يكن الوضع أفضل، حيث تواصل جمود الحوار الاجتماعي.

حققت حكومة عزيز أخنوش استثناء مُلفتا، من خلال إخراج الحوار الاجتماعي من الهامش ووضعه في صدارة أولوياتها.

هاجس الحكومة، أولا وأخيرا، هو الحفاظ على السلم الاجتماعي. لذلك أولت اهتماما متزايدا للحوار مع النقابات.

منذ تنصيبها، حافظت الحكومة على خطها السياسي في حفظ السلم الاجتماعي من خلال تبني سياسة اجتماعية عادلة تستهدف مختلف شرائح المجتمع.

تعتبر الحكومة الحالية أن السلم الاجتماعي يعد خيارا يحظى بالأولية، بالموازاة مع  تحقيق الانعاش الاقتصادي وتعزيز المسار التنموي للبلاد.

ثمة توازن ضروري بين السلم الاجتماعي والإقلاع الاقتصادي، وهو ما يتطلب انخراط كافة الشركاء والفاعلين الاجتماعيين، وتغليب المصلحة العامة والتحلي بالمرونة وفضيلة الحوار البناء.

في مستهل أشغال المجلس الحكومي المنعقد أمس الخميس فاتح شتنبر 2022، ألقى رئيس الحكومة كلمة أشار فيها إلى أن الحكومة، تفعيلا للرؤية الملكية السامية الرامية إلى مأسسة الحوار الاجتماعي ورفعه إلى مرتبة الخيار الاستراتيجي، بادرت فور تنصيبها إلى بناء شراكات متينة مع الفرقاء الاجتماعيين قصد وضع أسس حوار اجتماعي جادٍّ ومنتظم.

وركز أخنوش على وفاء الحكومة بسائر الالتزامات الاجتماعية الواردة في البرنامج الحكومي، ودعم وتحسين القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، رغم صعوبة الظرفية وانعكاسات الأزمات العالمية المتتالية على الإمكانيات المالية للدولة.

وأضاف أن الحكومة في سنتها الأولى من هذه الولاية الحكومية تمكنت، بفضل تظافر جهود مختلف الشركاء، من إعطاء انطلاقة جديدة للحوار الاجتماعي، من خلال التوقيع على ميثاق وطني ملزم لكل الأطراف.

جاءت الحكومة في ظرفية صعبة تميزت، وطنيا، بتوالي سنوات الجفاف، ودوليا، بظهور الأزمة الصحية (كوفيد19)، والحرب الروسية الأوكرانية، التي أدت، ضمن عوامل ومسببات أخرى، إلى ارتفاع صاروخي في منتجات الطاقة.

رغم ذلك،  أثبتت الحكومة جرأتها في مواجهة  تداعيات الظرفية الصعبة من خلال تبني حزمة من التدابير الهادفة إلى دعم مختلف الشرائح المهنية  بهاجس الحفاظ على القدرة الشرائية لعموم المواطنين، مما أدى إلى الحفاظ على الأثمان في مستويات معقولة رغم الارتفاعات المسجلة في بعض المنتجات.

ورغم سياق الأزمة،  لم تُعد الحكومة ترتيب أولوياتها بشأن المسألة الاجتماعية، بل كرست توجهها  بالانخراط  في حوار جدي ومنتظم مع الشركاء الاجتماعيين، بهدف التوصل إلى اتفاق حول عدد من القضايا  المدرجة في جلسات الحوار الاجتماعي.

وتفعيلا للحوار الاجتماعي، صادقت الحكومة على  12 مرسوما،  7 منها تروم الرفع من قيمة التعويضات العائلية ومن الحد الأدنى للأجر في القطاع العام ليبلغ 3500 درهم، وحذف السلم 7، والرفع من حصيص الترقي في الدرجة إلى 36% بالنسبة لفئة الموظفين، وإجراءات أخرى تهدف إلى تحسين وضعية أجراء القطاعين العام والخاص.

و ذكَّر رئيس الحكومة بالتوقيع، يوم 30 أبريل 2022، على اتفاق تاريخي أجمع على مضامينه مختلف الفرقاء بلا استثناء، ويروم أساسا تحسين مستوى عيش المواطنات والمواطنين.

وأعلن عن انطلاق ثاني جولات الحوار الاجتماعي بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين.

هناك حس اجتماعي مؤكد لدى الحكومة، وهو ما ترجمته إلى إجراءات وقرارات  تهم البعد الاجتماعي.

من هذا المنطلق، أعلن رئيس الحكومة أن الحكومة ستشرع ابتداء من الشهر الجاري في اتخاذ جملة تدابير من شأنها تحسين دخل المواطنات والمواطنين والرفع من قدرتهم الشرائية، وتهم بالأساس تنزيل مخرجات الحوار الاجتماعي.

وأشار في هذا الصدد، على سبيل المثال لا الحصر، إلى  الرفع الفوري بنسبة 5% من الحد الأدنى للأجر في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة (SMIG) ، وبنسبة 10% في القطاع الفلاحي (SMAG).

كما عبر رئيس الحكومة عن التزام الحكومة بتخفيض شروط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3240 يوما إلى 1320 يوما فقط.

وتتعهد الحكومة، إضافة إلى ما سبق،  بمواصلة صرف الدعم لمهنيي النقل الطرقي، من أجل الحفاظ على الأسعار في مستوياتها الحالية.

ثمة أوراش اجتماعية هامة، بل مصيرية، ستشرع الحكومة في فتحها قريبا، ومنها ورش المنظومة الصحية وإصلاح منظومة التقاعد، إضافة إلى ورش الاستثمارات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *